علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

أيهما «الرجل الخارق والمفكر الأوحد»: خال سامية أَم أبو هدى؟!

ما رواه عبد الرحمن شكري عن قصته مع حزبه الحزب الشيوعي المصري «الراية» بالاختباء خلف حرفين من اسمه، وهما: حرف العين وحرف الشين، في تعقيب نشره بمجلة «الهلال» في عدد سبتمبر (أيلول) 1991، رواه ثانية عبد القادر الشهاوي في كتابه «الحلم والسجن والحصار: رحلة مناضل مصري» الصادر عام 2000، وروته ثالثة ابنة أخته سامية أبو زيد في مقال من مقالات كتابها «59 ليست أقل من 60» الصادر عام 2009، تحت عنوان «حكاية الرفيق عامر».
ولسبب ما حين أعادت نشر مقالها «حكاية الرفيق عامر» في كتابها حذفت منه مطلعه. ففي مطلعه كانت قد قالت: «لاحظت في سيرة الزعيم جمال عبد الناصر بقلم ابنته د. هدى، تركيزها المفرط على صورة الرجل الخارق والمفكر الأوحد، فمع الأسف هذا هو شأننا عند النظر للتاريخ، لقد كانت مصر حبلى بالثورة في تلك الفترة ومن قبلها، ويشهد على ذلك تقرير الرفيق عامر المكتوب عقب حريق القاهرة بعنوان (ثورة 1952)، والمعروف باسم تقرير عامر. وتبدأ حكاية تقرير الرفيق عامر، كما يلي...».
يخيل لي أن الدكتورة هدى جمال عبد الناصر كتبت عن أبيها الرئيس جمال عبد الناصر أكثر من كتاب ومن بحث ومن مقال، وسامية أبو زيد في مطلع مقالها المحذوف في كتابها «59 ليست أقل من 60»، لم تذكر اسم العمل الذي عابت فيه على الدكتورة هدى تقديم صورة أبيها في هيئة «الرجل الخارق، والمفكر الأوحد».
ولأنني لم أقرأ في يوم ما للأكاديمية الجليلة هدى جمال عبد الناصر عملاً من أعمالها؛ فإنه يصعب عليَّ – على جناح السرعة - تحديد اسم العمل الذي لمّحت سامية أبو زيد إليه من دون أن تسميه، لكي أقرأه لأتأكد إن كانت الدكتورة هدى فعلت ما عابت عليها سامية، أم أنها كانت بريئة من فعله.
ومع هذا التحرّز الذي أبديه، إلا أنه من الوارد أنها قدمت أباها في هيئة «الرجل الخارق، والمفكر الأوحد»، وإن كانت فعلت ذلك، فيشفع لها قول العجفاء بنت علقمة السعدي: كل فتاة بأبيها معجبة.
وإذا كان هذا هو حال كل فتاة مع أبيها – كما يقول هذا المثل السائر – وإن كان أبوها من غمار الناس وعامتهم، فكيف سيكون حال مَن أبوها هو زعيم ساحر لجماهير عريضة من اتجاهات شتى، كالدكتورة هدى جمال عبد الناصر؟!
حين نمعن النظر في نقض سامية أبو زيد لهيئة «الرجل الخارق، والمفكر الأوحد» في سيرة جمال عبد الناصر، كما قدمتها ابنته، يظهر لنا سبب حذف مطلع مقالها، وهو أن نقضها لتلك الهيئة قام على شاهد واحد ووحيد وأحادي، وهو تقرير خالها الرفيق عامر أو الرفيق عبد الرحمن شاكر.
وهذا النقض الجدلي أتى على مستويين:
مستوى موازاتها خالها عبد الرحمن شاكر وتقريره بعبد الناصر وثورته. ومستوى النتيجة التي تلت هذه الموازاة. والنتيجة هي أن خالها عبد الرحمن شاكر هو «الرجل الخارق، والمفكر الأوحد»، لا عبد الناصر، كما ادعت ذلك – بحسب روايتها - ابنته هدى!
وما قالته سامية أبو زيد ضمناً في مطلع مقالها المحذوف، قالته صراحة في أخريات مقالها «وصية الأبناء والحلم العربي».
وهذا المقال في موقعه في كتابها «59 ليست أقل من 60» يأتي مباشرة قبل مقال «حكاية الرفيق عامر» ذي المطلع المحذوف.
تقول سامية أبو زيد: «بالتأكيد نريد للبرلمان أن يكون ممثلاً حقيقياً للشعوب العربية، وذلك عن طريق الانتخاب الحر المباشر، وقد قيل في هذا الصدد اقتراح طرحه عبد الرحمن شاكر في كتابه (الثورة العربية الجديدة)، مفاده أن يتم تأسيس البرلمان بإشراف جامعة الدول العربية، بحيث تجري انتخابات حرة مباشرة من المحيط إلى الخليج بواقع نائب لكل نصف مليون مواطن عربي، على ألّا يقل تمثيل القُطر الواحد عن ثلاثة نواب، وأن تشرف الجامعة العربية على هذه الانتخابات حتى يتم وضع دستور الدولة العربية، وإنشاء جيش خاص بهذه الدولة وعلَم موحد.
كانت هذه أفكار الرجل الذي لا ينتصح بنصحه أحد منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات. وقد كتبت عنه أكثر من مرة، في كل مرة أذكر مثالاً لرؤياه النافذة، من أول تقرير (ثورة 1952) الشهير بتقرير عامر، مروراً بالمطالبة بالتخلي عن مبدأ ديكتاتورية البروليتاريا، وترك الفرصة للشعوب كي تقرر مصيرها حتى توحيد ألمانيا، وذلك في كتابه (الثورة الاشتراكية العالمية)، الصادر منذ ما يزيد عن الأربعين عاماً، وانتهاء بكتابه (الثورة العربية الجديدة)، الصادر منذ ما يقرب من الأربع سنوات».
كتاب خالها عبد الرحمن شاكر «الثورة العربية الجديدة» كتيب في ثمانين صفحة، أظنه صدر عام 1999. فكتيبه هذا صدر قبل موافقة الدول العربية في مؤتمر القمة العربي المنعقد في عمّان عام 2001 على إنشاء برلمان عربي، ومقالها «وصية الأبناء والحلم العربي» في الأصل نُشر في جريدة «الأخبار» المصرية بتاريخ 5 مارس (آذار) 2004؛ أي إنه نُشر في العام الذي كانت الدول العربية تتباحث فيه حول القواعد التي وفقها يتم إنشاء هذا المجلس. وعلى كلٍّ، ففكرة إنشاء هذا المجلس هي فكرة قديمة يرجع تاريخها في جامعة الدول العربية إلى منتصف الخمسينات الميلادية.
وما نادى به خالها عبد الرحمن شاكر حول إنشاء مجلس برلمان عربي، هو عبارة عن مناداة طوباوية لا محل لها من الإعراب في نحو الواقع العربي وصرفه.
أما كتابه «الثورة الاشتراكية العالمية»، فهو أول كتاب صدر له. وقد صدر هذا الكتاب عن مكتبة «دار العروبة» بالقاهرة عام 1961.
تقول سامية عن هذا الكتاب، إن خالها طالب فيه بالتخلي عن مبدأ ديكتاتورية البروليتاريا وترك الفرصة للشعوب كي تقرر مصيرها. قالت ذلك لتضفي مسحة ليبرالية ديمقراطية على ماركسية خالها. وليظن القارئ أنه – منذ وقت مبكر - على مذهب «الشيوعية الأوروبية» التي تجمع ما بين الإيمان بالماركسية والإيمان بالديمقراطية بمعناها الليبرالي، والتي كان من أبرزها في أوروبا الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الشيوعي الإسباني، اللذان كانا يرفضان مبدأ ديكتاتورية البروليتاريا.
الشيوعية في مصر وفي العالم العربي خارج هذا الإطار، فهي ذات تكوين لينيني وتنتمي للحزب اللينيني، وتأخذ بشعاره الذي يقول: سنحمل الناس قسراً إلى المجتمع السعيد.
وبما أن سامية أبو زيد وضعت مرة ثانية خالها عبد الرحمن شاكر وكتابه «الثورة العالمية الاشتراكية» – على سبيل المفاضلة بينهما - بموازاة جمال عبد الناصر وأخذه بالاشتراكية، فسأتحدث عن بعض ما جاء في هذا الكتاب. وبعض ما جاء فيه يطيح بفكرة الموازاة بين هذين الرجلين، وسيظهر عبد الرحمن شاكر بهيئة الشيوعي التابع لجمال عبد الناصر والخادم لسياسته تجاه التنظيمات الشيوعية المصرية.
ديكتاتورية البروليتاريا بمعناها اللينيني تعني ديكتاتورية الحزب الشيوعي، بوصفه الحزب الطليعي الذي يمثل طبقة العمال ويعبر عن مصالحها خير تعبير. وهذه الديكتاتورية مصحوبة بعنف، تسميه الأحزاب اللينينية العنف الثوري، الذي سيحظى بتعاطف الجماهير الكادحة والمستغَلّة.
ومعناه هذا يختلف عن معناه عند ماركس. فكارل ماركس – بتفسير تنبئي – يرى أن الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي الصناعي، سيفضي إلى تحلل الرأسمالية وانهيارها، وسيقوم على أنقاضها النظام الشيوعي، الذي ستحتكر السلطة فيه الطبقة العاملة، والتي ستسعى إلى تحقيق مجتمع بلا دولة ولا طبقات.
جمال عبد الناصر في أحاديث مختلفة له أكد رفضه لمبدأ ديكتاتورية البروليتاريا. فالشيوعيون – كما قال – إذا كسبوا المعركة، فإنهم سيمارسون ديكتاتورية البروليتاريا، ثم يصبحون تابعين لموسكو. وهو يرفضها لأنه – كما قال – لا يريد الانتقال من ديكتاتورية طبقة إلى ديكتاتورية طبقة أخرى، ليدخل في حرب أهلية.
وكان يميز بين اشتراكيته والاشتراكية العلمية، باختلافها عنها في مسألة ديكتاتورية البروليتاريا والموقف من الدين والموقف من الملكية الزراعية.
وبما يخصُّ ديكتاتورية البروليتاريا، قال عنها عبد الناصر في محضر من محاضر الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي باللهجة العامية: «إن عملية البروليتاريا فيها كسْر خالص. ونحن سرنا بعملية كسر ولمّ»؛ أي إنه حطّم أو كسر طبقة، لكن هذا التحطيم أو الكسر لم يكن تحطيماً أو كسراً تاماً على طريقة ديكتاتورية البروليتاريا؛ لأنه قام بعد ذلك بعملية تجبير أو إلصاق أو إلحام لها!
البديل لديكتاتورية البروليتاريا وللصراع الطبقي الذي تبناه عبد الناصر هو تحالف قوى الشعب العاملة. وهذه القوى – كما عددها الميثاق الوطني – هي: العمال والفلاحون والرأسمالية الوطنية والمثقفون والجنود. وهذه القوى هي المنوط بها التصدي للقوى الرجعية المضادة لثورته ولخطِّه التقدمي.
وأنشأ داخل الاتحاد الاشتراكي العربي تنظيماً سرياً، هو التنظيم الطليعي أو طلائع الاشتراكيين، وكان له موقع الصدارة والتأثير الكبير في هذا الاتحاد، أو لنقل إنه هو زبدته. وكان من أعضائه أبناء التنظيمات الشيوعية الذين قبلوا بحل تنظيماتهم. وكان عمل التنظيم الطليعي السري، قائماً على كتابة تقارير جاسوسية.
ومع حرص عبد الناصر على تمييز اشتراكية نظامه عن الاشتراكية العلمية، فإن الميثاق نصَّ على أن «الاشتراكية العلمية هي الصيغة الملائمة لإيجاد المنهج الصحيح للتقدم». وليس في الأمر ثمة تناقض إذا ما رجعنا إلى تعريف عبد الناصر للاشتراكية العلمية.
الاشتراكية العلمية – كما عرّفها: «كل شيء يجب أن يسير على أساس علمي»!
فهو في هذا التعريف أفرغها من معناها المحدد، وحولها إلى موضوع إنشائي فضفاض، يصح أن نسميها بعد تعريفه هذا بـ«الاشتراكية الإنشائية»!
كتاب عبد الرحمن شاكر «الثورة الشيوعية العالمية» الصادر عن مكتبة «دار العروبة» بالقاهرة، يعكس الأجواء الشيوعية التي خلقها تقرير خروتشوف الذي كان آنذاك رئيس الاتحاد السوفياتي، المقدم للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي الذي عُقد في عام 1956، في شهر فبراير (شباط)، الذي قوّض فيه الستالينية وفضحها، وهزَّ فيه ثوابت شيوعية.
وفي كتابه هذا أعلن عبد الرحمن شاكر أن الحاجة إلى ديكتاتورية البروليتاريا قد انقضت، ويجب التخلي عنها. ودعا التنظيمات الشيوعية السرية المصرية أن تحل نفسها بنفسها. وبالفعل وافق تنظيم «حدتو» والحزب الشيوعي المصري «الراية» عام 1964، على حل تنظيمهما.
وعلى أساس هذا الشرط الناصري قُبلوا كأفراد في عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي، وأهم من ذلك قُبلوا كأعضاء في التنظيم الطليعي الخاص، الذي أقامه عبد الناصر على طراز التنظيمات الشيوعية المصرية، وهو أن يكون مكوناً من خلايا يتوفر في كل فرد منها المحافظة على السرية، والانضباط الحزبي الصارم.
الشيوعيون المصريون برروا لأنفسهم حل أحزابهم، بأن عبد الناصر يعمل على إنشاء المجتمع الاشتراكي رويداً رويداً. ورضوا بأن يكونوا في هذا العمل أدوات دعاية وآذاناً متلصصة لا رؤساء فيه يعملون على تحقيق مجتمع اشتراكي حقيقي.
لعلكم تذكرون أن عبد الرحمن شاكر في خاتمة تعقيبه الذي اختبأ فيه خلف حرفين من اسمه، شنع على حزبه الحزب الشيوعي المصري «الراية»، الذي فصله من عضوية الحزب، بأنه كان «طليعة للأحزاب الشيوعية في حل نفسها، حيث سيقوا إلى ذلك في عام 1964». وهي الخاتمة التي كان مِسكها قوله: «ولكن هذه قصة أخرى لا وجه لتفصيلها في هذا المقام»!
خاتمة تعقيبه ساقها في معرض ذكره لتناقضين اثنين وقع بهما حزبه مع العقوبتين اللتين ألحقهما به، وهما: توقيف نشاطه السياسي السري مؤقتاً عام 1951، وفصله من الحزب بعد كتابته تقرير «ثورة 1952»، بُعيد حريق القاهرة عام 1952.
القصة الأخرى التي هنا مقام إبرازها، أنه في مقام تعقيبه هذا شنع على حزبه بأن كان طليعة للأحزاب الشيوعية في حل نفسها، مع أنه هو كان في طليعة الشيوعيين الذين طالبوا التنظيمات الشيوعية المصرية بحل نفسها.
وكما نرى، فإنه في كتابه هذا سخّر شيوعيته لتكون في خدمة سياسة عبد الناصر تجاه التنظيمات الشيوعية المصرية، وهي ألّا يكون لهم تنظيمات سياسية مستقلة، وأن ينخرطوا كأفراد، وليس ككتل أو جماعات، في حزب السلطة، حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الذي هو الحزب الوحيد والأوحد في مصر الناصرية، وأنه تخلى عن ديكتاتورية البروليتاريا لصالح الإذعان لديكتاتورية عبد الناصر.
إن سامية أبو زيد قدمت خالها الرفيق عامر في مقاليها «حكاية الرفيق عامر» و«وصية الأبناء والحلم العربي»، بوصفه صاحب رؤية نبوئية نافذة وخارقة.
فمع تعيين حافظ عفيفي رئيساً للديوان الملكي في عام 1951 في اجتماع مع الطلبة والعمال والمسؤول عنهم بصفته عضو لجنة منطقة القاهرة بالحزب الشيوعي المصري، طالبهم الرفيق عامر بأن يهتفوا بسقوط النظام الملكي، وبأن يعملوا على تكوين جبهة ديمقراطية مع القوى الثورية كافة التي تتبنى هذا المطلب، وتدعو لإقامة جمهورية ديمقراطية تقود النضال المسلح ضد الاحتلال البريطاني، فأوقفته قيادة الحزب الشيوعي، ونحّته عن رياسة الطلبة والعمال في منطقة القاهرة.
ومع حريق القاهرة في يوم 26 يناير (كانون الثاني) عام 1952، كتب الرفيق عامر تقريراً أنهى كتابته في شهر مارس، وقدمه للجنة المركزية في الحزب الشيوعي المصري في شهر أبريل (نيسان) من ذلك العام، ففصله الحزب بسبب هذا التقرير؛ لأنه قرر فيه أن الحزب توانى عن إشعال الثورة في يوم حريق القاهرة، وكانت ساعة إشعالها في خضم هذا الحريق قد حانت.
ولو استجاب الحزب لنصيحته لكان الحزب صاحب «ثورة 1952» وليس تنظيم الضباط الأحرار. ولم يكن عبد الناصر شيئاً مذكوراً في تاريخ مصر وفي تاريخ العرب وفي تاريخ العالم الثالث.
ولو أقره الحزب على ما فعله مع الطلبة والعمال في منطقة القاهرة الذين كانوا تحت قيادته في المظاهرات التي قامت ضد تعيين حافظ عفيفي رئيساً للديوان الملكي؛ لكان الحزب هو صاحب «ثورة 1952». وكان تنظيم الضباط الأحرار نسياً منسياً في تاريخ التنظيمات السياسية في مصر الحديثة.
إذا حاكمنا كتاب عبد الرحمن شاكر «الثورة الاشتراكية العالمية» وفق الرؤية النبوئية النافذة والخارقة التي تدعيها ابنة أخته له، فماذا سنجد؟
في هذا الكتاب الذي صدر في عام 1961 عن «دار العروبة» بالقاهرة تبشير بنظام عالمي جديد، انتصرت فيه الثورة الاشتراكية العالمية على النظام الرأسمالي، وذلك استناداً إلى مقررات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي.
وكان من أمارات هذا الانتصار عنده تفوق دول المعسكر الشرقي – كما يدَّعي - في ميزان القوى على دول المعسكر الغربي. انهزام الأيديولوجيا البرجوازية أمام الأيديولوجيا الشيوعية، بدليل أخذها في الدول الأوروبية الغربية، ومعها أميركا، بالإصلاحات الاشتراكية؛ لكي لا يلفظ النظام الرأسمالي أنفاسه الأخيرة. اتجاه عدد من الدول في العالم الثالث حديثة التحرر السياسي من الاستعمار، كالهند وإندونيسيا ومصر، إلى الطريق غير الرأسمالي في التطور والتقدم، وإلى سياسة عدم الانحياز والحياد الإيجابي.
لي أن أسألها: أين الرؤية النبوئية النافذة والخارقة في هذا الكلام المبني على التفكير عبر الرغبة الماركسية؟!
إن المستند الذي اتكأ عليه خالها في يقينه بأن الثورة الاشتراكية ستعم العالم، وهو تقرير خروتشوف في ذلك المؤتمر، هناك من قرأه على أنه بداية النهاية للاتحاد السوفياتي ولدول المعسكر السوفياتي.
ومع كل ما قلته في نقدها، سأقل اللوم عليها بعد أن عرفت من صفحة الإهداء في كتابها «59 ليست أقل من 60»، أن عبد الرحمن شاكر – بالنسبة لها – هو أكثر من خال؛ فهو أستاذها وصديقها وصفيّها، وأنها تدين له بالفضل أن أمسكت بالقلم بعد طول عناد منها.
ذكرتُ اسم الجهة التي نشرت كتاب عبد الرحمن شاكر «الثورة الاشتراكية العالمية» عام 1961، وهي مكتبة «دار العروبة» بالقاهرة، أكثر من مرة، لغرض مبيّت، حان الآن الكشف عنه.
تُعنى مكتبة «دار العروبة» بالقاهرة بنشر كتب التراث الإسلامي، وبخاصة كتب التراث السلفي، وتُعنى بنشر كتب التراث الأدبي العربي، وتُعنى بنشر الكتاب الإسلامي المعاصر المنشغل بمواجهة تحديات الثقافة الغربية.
وضمن الموضوع الأخير نشرت لرفيق عبد الرحمن شاكر، الشيوعي السابق جلال كشك، كتابه «الغزو الفكري» عام 1964، وكتابه «الماركسية والغزو الفكري» عام 1965، بعد أن تحول من الاتجاه الماركسي إلى اتجاه إسلامي عروبي. وكانت في عام 1961، قد نشرت له كتاباً خارج هذا الموضوع، اسمه «شرف المهنة»، لكن هذا الكتاب الذي هو مسرحية، يدخل – على الأقل – في ركن الأدب، وإن كان لا ينتمي إلى عصر الأدب المعنية به أساساً، وهو عصر الأدب العربي القديم.
هذه المكتبة ودار النشر هذه موضوعات مطبوعاتها لا صلة لها باليسار والتياسر والاشتراكية والثورية، فما الذي جعلها تنشر كتاباً في عام نشرها لكتاب «شرف المهنة» يبشر بثورة اشتراكية عالمية ستعم المعمورة؟!
أن تُعنى تلك المكتبة بنشر الكتاب الإسلامي المعاصر، فهذا أمر مفهوم؛ لأن اثنين من ملَّاكها، هما محمد رشاد سالم وإسماعيل عبيد، من الإخوان المسلمين.
السر في نشرها كتاب «الثورة الاشتراكية العالمية» يكمن في مالكها الثالث الذي هو محمود محمد شاكر؛ فهو نشر الكتاب لتحيز قرابي لابن أخيه عبد الرحمن محمد شاكر.
إن كتاب عبد الرحمن شاكر «الثورة الاشتراكية العالمية» مع أنه كتاب شيوعي يخدم سياسة جمال عبد الناصر تجاه التنظيمات الشيوعية المصرية، ألّفه شيوعي قُحّ، فإنه جمع في وقت مبكر بين تناقض إخواني وتناقض سلفي!
التناقض الإخواني؛ لأن محمد رشاد سالم وإسماعيل عبيد – كما قلنا - من الإخوان المسلمين. والتناقض السلفي؛ لأن محمود محمد شاكر – كما أخوه الأكبر الشيخ أحمد – ذو توجه ديني سلفي. وللحديث بقية.