أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

إيران بين وهمين

ما الذي يفعله البائع عندما يدرك أن المنتج الذي يعمل على ترويجه ليس بالمواصفات التي يدعيها؟ إنه يتجه للتركيز على مميزات أخرى يهتم بها المشتري، على سبيل المثال، الحصول على علبة من الشوكولاته، أو إجازة مجانية في المقابل.
ذلك بالضبط ما يحاول جون كيري وزير الخارجية الأميركي وحسن روحاني الرئيس الإيراني فعله بخصوص الاتفاق النووي الذي أبرم قبل أيام في فيينا.
يعلم روحاني جيدا أن الاتفاق النووي، في حالة ما إذا دخل حيز التنفيذ بالكامل، سوف يضع إيران تحت وصاية القوى الدولية الست الكبرى المشاركة في المحادثات النووية، مع مباركة من قرارات مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
ومن شأن ذلك أن يدعو للسخرية اللاذعة من مزاعم إيران بتحولها إلى «قوة كبرى إقليمية» تسعى لبسط سيطرتها ونفوذها على منطقة الشرق الأوسط، ناهيكم عن الادعاء بتولي زمام القيادة العالمية. ويعد روحاني بهدايا الحليب والعسل، من باب إخفاء تلك الحقيقة، بمجرد تدفق أموال الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج إلى الاقتصاد الداخلي للبلاد، مما يؤدي لخلق «ملايين الوظائف».
وقال روحاني بكلمات أخرى: فلتنسوا الاتفاق النووي نفسه، وفكروا في الخيرات التي يعود بها عليكم!
أما كيري، من جانبه، فكان ذكيا بما يكفي ليدرك أن «الاتفاق» لن يحول بأي صورة من الصور دون اتخاذ إيران سبيلها نحو القنبلة النووية إذا ما رغبت في ذلك. ولذا، فإنه يحاول أيضا بيع سلعته السيئة من خلال تسليط الضوء على المميزات الهامشية.
جاء ذلك واضحا خلال جلسة استماع مجلس الشيوخ في واشنطن.
وكانت أولى المزايا الهامشية التي حاول كيري الترويج للسلعة من خلالها أن «الاتفاق» سوف يقنع طهران بالمشاركة في المفاوضات المتعلقة بمشكلات أخرى مثل تصدير الإرهاب، وسوء التصرف في سوريا ولبنان، واحتجاز الرهائن من الرعايا الأميركيين.
زعم كيري أن ظريف وروحاني أبلغاه بأنه ما من سلطة تخول لهما التفاوض حول تلك الموضوعات في الوقت الراهن، ولكنهما قالا له أيضا و«بمنتهى الوضوح» إنه بعد إبرام «الاتفاق» سوف يكونان على استعداد لمناقشة القضايا الإقليمية.
وتعبيرا عن حسن نية ظريف، قال كيري كيف أنه طلب من وزير الخارجية الإيراني بوقف السفينة المتوجهة إلى اليمن خلال فصل الربيع الماضي. ووفقا لتصريحات كيري، تصرف ظريف على الفور وعادت السفينة، التي أبحرت وسط ضجة إعلامية معروفة، إلى الموانئ الإيرانية.
أما المزية الهامشية الثانية التي أعلن عنها كيري فكانت تدور حول أن «الاتفاق» يخول لدول مجموعة (5+1)، بقيادة الولايات المتحدة، بسط السيطرة على الأصول الإيرانية المجمدة لدى الغرب، حيث تكون للولايات المتحدة الكلمة الأولى والأخيرة طيلة الـ15 عاما المقبلة فيما يتعلق بكيفية إنفاق إيران للجزء الأكبر من أموالها الخاصة.
أما أهم المزايا الهامشية قاطبة التي أشار كيري إليها فكانت المزية الثالثة، حيث قال إن «الاتفاق» صُمم لكي يُضعف من قوة «التيار المتطرف» داخل النظام الإيراني الحاكم ويساعد «التيار المعتدل»، الذي يقف على رأسه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، لاكتساب زخم قوي في انتخابات المجلس الإسلامي ومجلس الخبراء المقبلة، ثم وفي وقت لاحق، الوصول إلى الرئاسة الإيرانية ذاتها.
وقال الوزير كيري حول ذلك «إذا ما أولينا ظهورنا للاتفاق النووي، فلا يعرف أحد ما يمكن أن يحدث للرئيس روحاني في الانتخابات الرئاسية المقبلة». فهو يريد لروحاني أن يستمر في رئاسة إيران لفترة جديدة.
تعكس تصريحات كيري أنه طوال ماراثون المفاوضات كان يسعى هو، ومن المفترض الممثلون عن دول مجموعة (5+1) أيضا، من خلال عملية موازية تهدف إلى تعزيز التغيير داخل النظام الحاكم في طهران. وبعبارة أخرى، لم تكن القضية النووية إلا ذريعة لهدف أكبر.
بطبيعة الحال، إذا تحولت إيران إلى قوة طبيعية فلن يكون مهما في واقع الأمر إذا امتلكت القنبلة النووية من عدمه. والتاريخ، رغم كل شيء، يُظهر أن أولئك الذين يستعملون الذرائع وصولا إلى هدف آخر من خلالها دائما ما ينتهي بهم الأمر إلى خسارة فادحة.
كان المسار السياسي الأكثر حكمة يستلزم الاستمرار في التركيز على الهدف الواضح. وفي تلك الحالة، تعتبر إيران قد انتهكت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ويتعين إلزامها بمهمتها وفقا لأحكام المعاهدة، وليس أكثر ولا أقل.
حاول كيري ورفاقه، الموجهون تقريبا بإرشادات الرئيس الحائر باراك أوباما، المراوغة في القضية الرئيسية من خلال النصوص المطولة الفارغة من أي معنى أملا منهم في مساعدة «التيار الإيراني المعتدل» في اكتساب السلطة في طهران. فما كان منهم إلا أن خلطوا بين الفريسة وظلها.
جرى تسويق تحليل كيري من خلال شبكة من جماعات الضغط الموالية لطهران داخل الولايات المتحدة وأوروبا التي تشتمل على أعضاء بارزين من مؤسسة السياسة الخارجية والمؤسسة الأمنية.
عبر الأسبوعين الماضيين، أمطرني بعض من أولئك الموالين لطهران، ومن بينهم بعض السياسيين البريطانيين البارزين والكثير من خبراء المراكز البحثية الأميركية، بالنصائح ذات الصلة بـ«أهمية مساعدة المعتدلين في إيران» في الفوز بسدة الحكم من أجل عزل، وفي وقت لاحق، التخلص من المرشد الإيراني الأعلى كما يأملون.
ولقد أخبرني وزير سابق في الحكومة البريطانية قائلا: «إننا نعرف روحاني منذ 25 سنة. وهو من الرجال الذين يمكننا العمل معهم لكي نعود بإيران إلى الحظيرة الدولية».
وعبارة «إننا نعرف روحاني منذ 25 سنة» مقتبسة من السيدة الراحلة ثاتشر التي استخدمتها في توصيف ميخائيل غورباتشوف، الرجل الذي ترأس عملية تفكيك الإمبراطورية السوفياتية القديمة.
في بعض الأحيان، يتحدث أوباما عن مساعدة «المؤسسات المنتخبة» من النظام الخميني الحاكم في مواجهة «المؤسسات غير المنتخبة».
إلا أنه تناسى أمرين مهمين؛ أولا، ليس هناك من شيء يماثل أو يعبر عن الانتخابات الحرة النزيهة في الجمهورية الإسلامية. فلقد كانت الانتخابات التي جاءت بروحاني إلى السلطة على نفس القدر من الإنصاف أو عدم الإنصاف الذي اتسمت به انتخابات سلفه محمود أحمدي نجاد. ولسوف تُدار الانتخابات المقبلة وفق ذات القواعد والأساليب التي يفرضها ويشرف عليها ملالي النظام.
والنقطة الثانية، نسيانه أن «المؤسسات غير المنتخبة»، والتي يشير من خلالها إلى «المرشد الأعلى»، هي الأخرى منتخبة من قبل مجلس الخبراء الذين يعتبر أعضاؤه منتخبين كذلك، من جانب الشعب الإيراني كما هو مفترض، وبنفس الطريقة التي انتخب بها روحاني ونجاد.
حتى ذلك الحين، فإن الفرضية القائلة بأن الفصيل الموالي لرفسنجاني، والذي يعد روحاني الواجهة الأولى له، يهتم حقا بإجراء الإصلاحات الداخلية في البلاد، هي من الفرضيات البعيدة للغاية عن التحقق في أرض الواقع على أدنى تقدير. والآن، في السنة الثالثة من سنوات فترته الرئاسية الأربع، لم يقدم روحاني، فضلا عن تنفيذه، لأي محاولة إصلاحية في أي مجال يُذكر داخل إيران.
لا يزال الاقتصاد الإيراني قابعا تحت وطأة الضوابط السوفياتية العتيقة والتي أدت لتفاقم الأوضاع نتيجة للفساد الذي طال كافة مجالات الحياة.
ولا يزال الحظر مفروضا على تكوين الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية. كما أغلقت الكثير من الصحف والمجلات بأكثر مما كان الأمر عليه في عهد أحمدي نجاد. وتضاعفت أعداد سجناء الرأي والفكر مع تضاعف أحكام الإعدام. حتى أن روحاني ذاته قد نشر مسودة مشروع يخول التأسيس لتصنيف جديد في القانون الإيراني تحت مسمى: الجرائم السياسية.
ويظل مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق وزوجته زهراء رهنورد وكذلك مهدي كروبي الرئيس الأسبق لمجلس الشورى الإسلامي رهن الإقامة الجبرية في منازلهم من دون توجيه أي اتهامات بحقهم، كما ساءت حالتهم نظرا للحظر المفروض على الزيارات إليهم حتى من أقرب القربى. وتحتجز الجمهورية الإسلامية تحت حكم روحاني خمس رهائن أميركيين، وهو أكبر رقم مسجل منذ فترة الثمانينات.
وفي الخارج، ازدادت حالات تصدير الإرهاب بواقع 32 في المائة زيادة في ميزانية فيلق القدس الذي يشرف ويسيطر على الشبكات الإيرانية من شاكلة تنظيم «حزب الله» في لبنان.
كما ضاعفت طهران من رواتب المجموعة المحيطة بالطاغية السوري بشار الأسد. وتحاول طهران كذلك مساعدة الأسد على مواجهة النقص في القوة البشرية التي يعاني منها من خلال تجنيد المرتزقة من لبنان، وأفغانستان، وطاجيكستان، والعراق. (ويخشى روحاني إرسال المزيد من الجنود الإيرانيين الذين قد يؤدي موتهم في القتال إلى إشعال الاضطرابات الداخلية في إيران).
أما كيري، كما أعتقد بحق، فقد حذر من أن إجبار إيران على الاستسلام ليس إلا وهما.
ولكنه يطارد وهما أكثر خطورة مما يظن: من خلال مساعدة نظام حكم يعاني من أزمة عميقة على استعادة قوته وعنفوانه ليواصل سوء التصرف ونشر الأذى في الداخل والخارج.