مصطفى فحص
كاتب وناشط سياسي لبناني. حاصل على الماجستير في الدراسات الإقليمية. خبير في السياسة الخارجية لروسيا بالشرق الأوسط. متابع للشأنين الإيراني والعراقي. وهو زميل سابق في «معهد العلاقات الدولية - موسكو (MGIMO)». رئيس «جائزة هاني فحص للحوار والتعددية».
TT

إيران... تصدّعات حدودية

من جديد عادت السردية الإيرانية إلى اتهام المعارضة الكردية بالتواطؤ مع أعداء إيران والتآمر ضد النظام الإسلامي، حيث اتهمت وسائل إعلام حكومية المعارضة في كردستان العراق، بالتورط في إدخال المعدات المستخدمة في هجوم أصفهان، وذلك بأمر من جهاز أمني خارجي.
موقف الإعلام الرسمي الإيراني فيه تأكيد شبه رسمي، بأن المسيَّرات التي نفَّذت الهجمات ضد منشآت عسكرية في مدينة أصفهان، ليل السبت الفائت، انطلقت من داخل إيران ولم تأتِ من خارج الحدود، ما يعني وفقاً لهذا التصريح أن الأجهزة الأمنية الخارجية المتورطة في الهجوم باتت تملك قدرة كبيرة على الحركة في الداخل الإيراني، وهي تصل بسهولة إلى أهدافها، وهذا يكشف حجم الاختراقات الاستخباراتية داخل إيران من جهة، ومن جهة أخرى يكشف عن عجز الأجهزة الأمنية الإيرانية في محاربتها.
بالعودة إلى الاتهام، فإن الخاصرة الكردية المعارضة المتصلة بكردستان العراق تشكل مخرجاً يخفف من حرج النظام الإيراني وأجهزته الأمنية في الرد مباشرةً على المنفّذين الفعليين للهجوم، كما أن اتهام المعارضة الكردية باستخدام الأراضي العراقية (كردستان العراق) يُعفي إيران من اتهام أي دولة أخرى محاذية لحدودها غير العراق بالتواطؤ ضدها، لأنه سيحمِّلها أعباء سياسية واقتصادية وأمنية مكلفة.
لذلك اختارت الكرد على الضفتين الإيرانية والعراقية، خصوصاً أن اتهامات سابقة صدرت ضد أربيل، عن أن أجهزة استخباراتية دولية وإقليمية تتخذ من كردستان العراق مقراً لانطلاق عملياتها ضد إيران، ورغم نفي الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة أي صلة لها بالهجوم، فإن مقرات هذه الأحزاب في الجبال الحدودية قد تكون عُرضة لهجمات صاروخية إيرانية، كما أن هذا الاتهام سيزيد الأزمة ما بين الحكومتين الإيرانية والمحلية (الحكم الذاتي) في أربيل، وقد تدفع الأولى حكومة بغداد إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد أربيل.
في المقلب الآخر من الحدود المتصدعة، فقد سبق هجوم أصفهان بساعات، اعتداءٌ مسلَّح على سفارة جمهورية أذربيجان في طهران، والذي أدى إلى مقتل مسؤول أمني في السفارة وجرح اثنين آخرين. طهران من جهتها وعلى لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان، رأت أن دوافع شخصية وراء الهجوم، فيما وصفته باكو على لسان رئيس جمهوريتها إلهام علييف، بالعمل الإرهابي وقررت إغلاق سفارتها في طهران. الانسحاب الدبلوماسي الأذربيجاني ترافق مع إجراءات أمنية بدأت باكو باتخاذها ضد ما وصفتها بشبكات المخدرات الإيرانية.
إضافةً إلى شبكات التجسس، الأمر الذي سيزيد من تعقيدات المشهد بين البلدين مستقبلاً، حيث تتهم باكو طهران بالوقوف إلى جانب يريفان في أزمة (ناغورني كاراباغ) وبأنها تعمل على تهديد استقرار النظام السياسي في أذربيجان، من خلال محاولة دعم بعض المجموعات العقائدية، كما أن هناك تخوفاً أذربيجانياً من أن طهران تريد استعادة السيطرة على الخط الدولي الذي يربط دول القوقاز بوسط آسيا، والذي بدوره يربطها بأوروبا عبر إقليم نقشجيهان الذي تسيطر عليه باكو الآن. فيما تتهم إيران باكو بالتعاون الأمني مع تل أبيب ودعمها للحركة القومية الآذرية داخل إيران.
ما بين المسألة الكردية، التي اعتاد أي نظام سياسي يحكم طهران أن يحوّلها إلى مكسر عصا يستخدمها من أجل قمع الداخل وردع الخارج، والأزمة الأخطر على تركيبة النظام السياسي الإيراني مع المكون الآذري، تزداد تصدعات النظام الحدودية، والتي ستترك تداعيات داخلية ستفتح المجال لتأثيرات خارجية، فالنظام الذي يعلم مَن يقف خلف هجوم أصفهان وهجمات أخرى خطيرة، لم يقم بأي إجراء عسكري ضده، وهو منذ سنوات يحتفظ بحق الرد.
كما أنه نتيجة الاحتقان الداخلي لم يجرؤ على دعم أرمينيا في حربها الأخيرة مع أذربيجان، فهو يدرك أن الآذريين في إيران قادرون على ضرب استقرار النظام السياسي، نتيجة دورهم العميق في إدارة الدولة منذ قرون ويستندون إلى عمق قومي واسع، ويعلم أن المعارضة السياسية الكردية هي الأكثر تنظيماً وتأثيراً والأكثر نشاطاً ولديها تعاطف دولي، فما السبب الذي يدفعه إلى التخلي عن هذه المحاذير والضغط على الأطراف الحدودية المتصدعة؟