ممدوح المهيني
إعلامي وكاتب سعودي. مدير قناتي «العربية» و«الحدث» كتب في العديد من الصحف السعودية المحلية منها جريدة الرياض، ومجلة «المجلة» الصادرة في لندن. كما عمل مراسلاً لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن. وهو خريج جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة.
TT

هل {يغسل} رونالدو سمعة السعودية؟

هذا هو السؤال الذي ردّده معلقون ووسائل إعلام غربية ودولية عبّرت تقريباً عن الفكرة ذاتها بطرق مختلفة. الغالبية اعتبرتها {صفقة سياسية وليست رياضية وإنما هدفها تحسين سمعة السعودية}.
إذا وافقنا على هذا التفسير، من المهم بعد ذلك أن نسأل أنفسنا السؤال المنطقي الآخر، وهو: {يغسلها} من ماذا؟
قد يكون هذا تفسيراً معقولاً قبل 6 أو7 سنوات عندما كانت المرأة ممنوعة من القيادة والسفر، والدعاة المتطرفون يسيطرون على الحياة الاجتماعية وينشرون فتاواهم التكفيرية. قد يكون من المنطقي التفكير أن يلعب رونالدو دور رجل العلاقات العامة والواجهة الجميلة لبلاد تحرّم الموسيقى وتقفل أبواب السينما وتمنع الحفلات الغنائية، ويطارد رجالُ الشرطة الدينية المراهقين والمراهقات بسبب ملابسهم. وقد تصرف نجوميته الطاغية الأنظار عن بلد مغلق أمام السياح وغائب عن الفعاليات الاقتصادية والنشاطات الثقافية.
قد يكون حضور نجم جماهيري بحجم رونالدو ذريعة لإلهاء العالم عن ما يحدث داخل السعودية، ولكن في هذا التفسير مغالطة واضحة، وهو أن السعودية تفعل الآن كل ما بوسعها لتجعل العالم يكتشفها ويتعرف على صورتها الجديدة. الحركة النشطة في السعودية جعلتها في عناوين الأخبار، وترى إعلانات «نيوم» و«ذا لاين»، و«العلا» في كبريات المحطات العالمية. السعودية تريد العالم أن يراها وليس العكس.
في الواقع أن كل الجوانب التي قد تبرر نظرية «غسل السمعة» لم تعد موجودة. السعودية خلال السنوات الأخيرة تغيرت بشكل كبير وتعيش واقعاً مختلفاً؛ ولهذا فإن رونالدو لن يجد ما {يغسله}؛ لأن الإصلاحات والقرارات والتغيرات الواسعة بحد ذاتها قامت بتغيير صورة البلد التي كانت تُربط سابقاً بالنفط والإرهاب (بعد 11 سبتمبر (أيلول). لن تقوم أي حملات علاقات عامة ولا أي لاعب وفنان شهير بإصلاح صورة بلد لا يمكن إصلاحه، وقد حاولت دول أخرى وفشلت في هذا المسعى. وكل هذه التفسيرات في تقديري وليدة الموقف المسبق من السعودية التي تشكل في الوعي الغربي ووسائل الإعلام التي لم تخرج لحد الآن من حدود التصور القديم لسعودية غارقة في الظلام ولم تتعرف على المرحلة الجديدة لبلد تغير في فترة قياسية رغم مكوثه في حالة من المراوحة في المكان نفسه لما يقارب أربعة عقود قبل أن تغيره رؤية ولي العهد السعودي بشكل لم يتوقعه أحد.
إذن، كيف يفهم تفسير استقطاب رونالدو في الدوري السعودي؟
التفسير رياضي محض ولو شاهد المعلقون الغربيون «التايم لاين» في حسابي على «تويتر» حالة الجدل بين مشجعي الأندية السعودية بكل مكان، لفهموا أن المسألة رياضية بحتة. وفي الوقت الذي يدور الحديث غربياً عن غسل السمعة يطالب مشجعو الأندية السعودية المنافسة إداراتهم بجلب النجم الأرجنتيني ميسي؛ خشية أن تصبح هزيمة نادي النصر بقيادة لاعب بحجم رونالدو مهمة شاقة (جماهيرية الدوري السعودي حاضرة خارج حدود السعودية، وبلا شك مع حضور رونالدو توسعت).
والسعودية أعلنت سابقاً خططها للاستثمار في الرياضة (كما نرى في منافسات الفورميلا، ومسابقات الغولف، وغيرهما)، وتطوير دوريها الكروي كان من ضمن هذه الأهداف ليكون أحد أقوى الدوريات العالمية، وذلك سينعكس إيجابياً على مستوى الكرة والرياضة بشكل عام. وقامت دوريات كروية عديدة (الدوري الأميركي) على استقطاب لاعبين بارعين، مثل ديفيد بيكهام وإبراهيموفتش. فهل كان الأميركيون يسعون لغسل سمعتهم؟ لا، كانوا يفكرون بالشيء نفسه الذي يفكر فيه السعوديون، وهو رفع مستوى المنافسة لديهم ووضع دوريهم بين الأفضل وعلى الرادار إلى جانب الأقوياء، وهذا كل ما في الأمر.