مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

أفضل الصفقات السيئة مع إيران

اجتذب الاتفاق الإيراني عاصفة الانتقادات المتوقعة. وبالنظر إليه إجمالاً يمكن لذلك الاتفاق أن يوجز في عبارة واحدة: «خطأ تاريخي» ذلك الذي يضمن لإيران امتلاك القنبلة النووية ويرقى إلى مرتبة «إعلان الحرب» على إسرائيل ودول الخليج.
وليس الاتفاق بعيدًا أبدًا عن تلك الدرجة من السوء.
بالتأكيد، ليس ذلك الاتفاق هو ما يريده معظم الناس، ففترة صلاحيته لا تتجاوز 10 إلى 15 سنة فقط. وهو لا يقضي بإزالة برنامج الوقود النووي الإيراني، كما لا يقضي وإلى الأبد على مشكلة القوة الإقليمية المتطرفة التي تسعى لامتلاك السلاح النووي وهي في سبيلها لامتلاك حق المعرفة والقدرات الإنتاجية لامتلاك ذلك السلاح. في واقع الأمر، فإن ذلك الاتفاق هو أسوأ النتائج المتحققة قاطبة - باستثناء النتائج الأخرى المحققة.
ولنبدأ بأكثر الانتقادات شيوعًا، وهو أن الاتفاق يضمن حصول إيران على السلاح النووي بمرور الوقت. ليس الأمر كذلك. بل إنه، رغم ذلك، سوف يجعل من الصعب على إيران امتلاك السلاح النووي خلال الـ10 إلى 15 سنة المقبلة. وسوف يُسمح لإيران بالاحتفاظ بنسبة اثنين في المائة فقط من مخزون اليورانيوم المخصب الموجود لديها حاليا، وسوف يُعاد تصميم مفاعل الماء الثقيل هناك حتى لا يُنتج الوقود المستخدم في صناعة الأسلحة النووية، وسوف يُتاح للمفتشين الدوليين المزيد من حق الدخول إلى المنشآت الإيرانية المشبوهة أكثر مما يستطيعون اليوم.
وعقب انتهاء مدة الصفقة، رغم كل شيء، فإن كل الرهانات تذهب أدراج الرياح. وهناك لغة خطاب «مريعة» ضمن الاتفاق حيال ما «تخطط» له إيران أو «تنتوي» فعله بعد انقضاء أوان القيود الملزمة، وليس ما تلتزم إيران بفعله حقيقة. سوف يستمر نظام التفتيش الدولي، ولكن إيران سوف تمتلك القدرة على إنتاج الوقود النووي على نطاق صناعي واسع. ولا بد من الخروج باستراتيجيات جديدة للحيلولة دون بناء إيران للقنبلة النووية.
ولكن تقييم ذلك الاتفاق يستلزم المقارنة مع البدائل الفعلية.
فلنأخذ عمليات التفتيش «في أي مكان وفي أي وقت» على المواقع العسكرية التي لم يتم إدراجها ضمن بنود الاتفاق. يمكن لمتفشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية طلب الدخول للتفتيش على المواقع العسكرية الإيرانية، ولكن يتعين عليهم تقديم إخطار مسبق بذلك قبل ميعاد التفتيش الفعلي بـ14 يومًا، ومع فترة للتحكيم تبلغ 10 أيام أخرى. وبالنظر إلى صعوبة إزالة أدلة النشاط الإشعاعي تمامًا، فالأمر وفقًا لذلك مجدٍ تمامًا، ومن الأهمية بمكان تولي المفتشين الدوليين حق زيارة المواقع العسكرية الإيرانية وتفتيشها. بطبيعة الحال، في العراق ما بين حربي الخليج، كان للمفتشين الدوليين حق الذهاب إلى أي مكان يرغبون، وفي أي وقت، وكان من الأفضل وقتها تنفيذ ذلك فعليًا. ولكن العراق تعرض للغزو وانهزم. أما إيران فكَلَّا، وهي لن تخضع قط لمثل تلك الشروط.
يأتي أكبر مصدر للسخط على الاتفاق المبرم من واقع التنازلات الخاصة برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. ولقد كانت أكثر العقوبات فعالية قد فرضت في عام 2010 لإجبار الإيرانيين على العودة إلى طاولة المفاوضات. ولقد أبرم الاتفاق الآن، وهو يلقى إسنادًا قويًا من قبل أوروبا - التي قد فرضت بعضًا من أكثر العقوبات تأثيرًا - ومن روسيا والصين كذلك - اللتين لم تعملا، على أدنى تقدير، على تقويض فعالية تلك العقوبات. إن ذلك النوع من الوحدة الدولية نادرة الحدوث.
لو كانت الولايات المتحدة انسحبت من المحادثات بسبب عدم تمكنها من إزالة برنامج الوقود النووي الإيراني، ولم تلقَ الاستراتيجية الدعم الذي تلقته من شركاء التفاوض الدوليين، لم يكن من المتوقع للعقوبات الاقتصادية أن تستمر لفترة طويلة.
أجل، فإيران الغنية سوف تمتلك ما يكفي من المال تدخره للمزيد من العدوان العسكري على المنطقة. وأولئك الذين يظنون أن النظام الإيراني سوف يتحول فجأة إلى نظام يسعى للسلام والتعاون لا يخدعون إلا أنفسهم. ولكن من غير الممكن المحافظة على استمرار العقوبات الدولية لأجل غير محدود.
كل ما تمكن منه الرئيس أوباما برفقة شركاء التفاوض من دول مجموعة «5+1» هو شراء بعض الوقت من إيران. في العقد الذي انقضى بين الكشف عن البرنامج النووي السري الإيراني وحتى بداية المحادثات الحالية، انتقلت إيران من امتلاك 100 جهاز طرد مركزي غير مجمعة إلى امتلاك 19 ألف جهاز بالإضافة إلى مخزون كبير من اليورانيوم المخصب يكفي لإعادة المعالجة والاستخدام في إنتاج 10 أسلحة نووية.
وصف نتنياهو الاتفاق النووي بـ«الخطأ التاريخي»، وهي ذات العبارة التي استخدمها في وصف الاتفاق المؤقت المبرم في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013. ولقد جانبه الصواب حيال ذلك؛ فلقد أدى الاتفاق المؤقت إلى تجميد أو عرقلة التقدم النووي الإيراني لمدة 18 شهرًا كاملة. ويعدنا هذا الاتفاق بتعميق تلك المكاسب المحققة وإطالة ذلك الأمد إلى 10 سنوات. وعندما يكون ذلك الوقت قد انقضى، ربما نشهد انطلاقًا للغارات الجوية الأميركية والإسرائيلية لمتابعة الأحداث - أو ربما لا. ولكن ما الداعي للاندفاع وراء الحرب الآن؟
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»