يوسف الديني
باحث سعودي ومستشار فكري. درس العلوم السياسية والإسلاميات التطبيقية، وعمل بالصحافة منذ عام 1999، وكاتب رأي في «الشرق الأوسط» منذ 2005، له كتب وبحوث ناقدة لجذور الإرهاب والتطرف والحركات والمنظمات الإرهابية في المنطقة. كتب عشرات الأبحاث المحكمة لمراكز بحثية دولية، ونشرت في كتب عن الإسلام السياسي والحاكمية والتطرف ومعضلة الإرهاب، وساهم بشكل فعال في العديد من المؤتمرات حول العالم.
TT

ما بعد مسيّرات إيران في أوكرانيا

بالأمس تم الإعلان من قبل أوكرانيا أنها أسقطت 45 طائرة مسيّرة من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا ليلاً مع بداية رأس السنة، وقد تم الإعلان عن إسقاط العشرات مثلها قبلها بأيام.
خبر كهذا يجب أن يقلق الدول العاقلة في المنطقة والعالم، فالأمر لا يقف عند استخدام روسيا لتلك المسيّرات أو قدرتها على تغيير المعادلة على الأرض؛ بل على مسألتين بارزتين في هذا السياق الجديد.
الأولى: صعود العلاقة بين موسكو وطهران من دون تحرّك واضح من قبل المجتمع الدولي والدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على الرغم من وجود أصوات كثيرة في بريطانيا وأميركا نفسها لاحظت هذا الصعود الكبير، بحسب مدير «وكالة المخابرات المركزية» الأميركية وليام جيه. بيرنز الذي وصف هذه العلاقة بـ«شراكة دفاعية متكاملة». وأضاف: «من شأن ذلك أن يقلق دول الجوار في المنطقة وحلفاء الولايات المتحدة». والأمر الذي لا يقل أهمية هو عدم وجود جبهة مضادة لهذا التعاون أو الزبائنية الروسية لمسيّرات طهران، إضافة إلى التفكير في الأثمان التي يمكن أن تدفعها روسيا لاحقاً وتأثيرها على علاقاتها في دول المنطقة.
ورغم كل الضجيج غير المجدي والمستهدف لملف النفط والإدارة غير المسيسة لملف الطاقة من قبل «أوبك» بقيادة السعودية، فإن الصوت الخافت تجاه إيران هذه المرة لا يبدو متفهماً، خصوصاً مع التقارير التي ذكرتها مراكز أبحاث واستطلاع حول اعتزام إيران تزويد روسيا بصواريخ باليستية متطورة قصيرة المدى، ومساعدة روسيا في إنشاء خط إنتاج خاص بها من الطائرات الإيرانية من دون طيار رغم أن تأثير هذه الطائرات وتقييمها لا يزال يتسم بكثير من النقد والتقزيم لها ولتأثيراتها.
روسيا بدورها قادرة على مكافأة إيران بتعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية عبر أنظمة الدفاع الجوي، وهو ما يقلق الباحثين والخبراء في هذا الملف، وبالتالي فإن حصول نظام طهران على تلك الأنظمة سيجعله أكثر قدرة على حماية البنية التحتية لسلاحها النووي المحتمل، الذي ما زالت القوى الغربية والولايات المتحدة تراوح مكانها في اتخاذ موقف حاسم تجاهه، كما الحال تجاه سلوك إيران التوسعي في المنطقة.
هذا الصعود الجديد لإيران في علاقتها مع روسيا يجب أن يقلق دول المنطقة ويجعلها أكثر مضياً في تطوير استراتيجية أمنها القومي، وفقاً لرؤيتها الخاصة وعبر تنويع ملف دفاعاتها وتسليحها، ومن هنا ترشح حضور أكثر فاعلية للصين؛ ليس على مستوى الطاقة فحسب، حيث أثبتت زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ أن دول الشرق الأوسط، والسعودية بشكل خاص، يمكن أن تكون سلة متنوعة للعلاقة مع الصين وبناء شراكة أساسية في قطاع البنى التحتية والاستثمار والتكنولوجيا الرقمية والسلع والخدمات اللوجيستية بالطبع أيضاً... فملف الدفاع على سبيل المثال تجاوز حجم تجارة الصين مع السعودية عتبة الـ80 مليار دولار في 2021.
الصعود الإيراني - الروسي اليوم، يعني فشل استراتيجية «خفض الجناح» لملالي طهران، حيث العلاقة طردية بين ذلك اللين، وقدرة إيران على إنتاج مزيد من الشخصيات الراديكالية التي تمثل جناح الصقور... فكلنا أدركنا بالأمس أن انتخاب رئيسي كان تتويجاً غير مفاجئ لهذا السياق من العلاقة التي تعكس ارتباكاً في المقاربة بين التسويق للتفاوض وخطة العمل الشاملة المشتركة، بينما ينعكس ذلك على إعادة إنتاج المتطرفين داخل الإدارة الأميركية لمشروع إيران التوسعي عبر التمدد في مناطق التأثير واستباحة السيادة من العراق إلى لبنان وصولاً إلى اليمن، واليوم يبلغ حتى أوكرانيا!