نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

إيران: احتفالات خفض المحكومية!

جهزت السلطات الإيرانية احتفالات ضخمة بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الدول الكبرى، وذلك قبل أن يعرف المحتفلون بأي تفصيلة أو سطر من نصوصه. والاحتفال حين يُجهز حكوميًا يعني أن هنالك حاجة ملحة من قبل النظام لإخفاء العيوب.
وبقدر ما لم يعجبني الاحتفال «المُصنَّع»، أعجبني تصريح معقول لوزير خارجية إيران اعتبر فيه الاتفاق غير عظيم، إلا أنه أفضل ما يمكن الحصول عليه.
والسؤال الذي يفرض نفسه بعد الصفقة هو: كيف ستتعامل إيران في المرحلة المقبلة، أولاً مع دول الجوار العربي والإسلامي؛ وثانيًا مع العالم الذي يسعى إلى ضم الدولة الإشكالية إلى منظومته من خلال وعي دقيق بمزايا هذا البلد، وخصوصًا على صعيد الجغرافيا والاقتصاد؟
والجواب لا يُستقى من الكلام الهادئ الذي اشتهر به رئيسها السيد روحاني، ولا من الكلام الناري الذي دأب على إطلاقه المرشد علي خامنئي من طراز الخطوط الحمر، وحتمية تقيد العالم بها، لأن الجواب في حالة كهذه، يستقى من السلوك، خصوصًا أن الدولة الإيرانية خضعت لرقابة على منشآتها النووية والعسكرية، وستتعرض لرقابة أشد على السلوك في المجالات الأخرى، حين تُفتح أبواب البلاد العطشى أمام استثمارات كبرى، يحرص أصحابها على أن تعمل تحت شروط معينة، والمستثمرون هم أولئك الذين أبرموا الاتفاق ويعرفون كيف يروضون الزبائن، ويفرضون عليهم حدودًا لا يملكون قدرة على تجاوزها.
على إيران أن تدرس صيغة «الـ(مع) والـ(ضد)»، بصورة موضوعية، وليس بطريقة احتفالية، ذلك أن من هم «مع» لا يحبذون إنقاذ إيران من الإفلاس لتبدد ما ستجنيه من الأموال على الحروب الإمبراطورية التي تورطت فيها دون وجه حق، كما لا يحبذون فكرة الاستفادة من الأموال لإلحاق الأذى بالجيران الذين تكتظ بلدانهم بالمصالح الأجنبية وتتنفس مصالحهم وتنمو في ظل استقرار راسخ وليس تحت تهديدات موسمية أو دائمة.
أما من هم «ضد»، وهم بالمناسبة، ليسوا هامشيين في الحياة السياسية الدولية، فإنهم وإن عجزوا عن إبطال الاتفاق، فإن معارضتهم له تندرج تحت بند الابتزاز وجني الأرباح لمصلحة سياساتهم الخاصة، فالجمهوريون يبتزون الديمقراطيين لإزاحتهم من البيت الأبيض، والإسرائيليون يبتزون الإدارة الأميركية لحصد المزيد من التعويضات والترضيات، وبالتالي فإن إساءة قراءة ما يترتب على الصفقة، والمسؤوليات والالتزامات المنبثقة عنها، لا بد أن تؤدي إلى خفض المردود الإيراني، وقد تحوله إلى عكسه. وأكاد اقترب من اليقين، بأن المشروع النووي الإيراني تحول بالفعل إلى عكسه، فمن خلال حسبة رقمية بسيطة، كأن نحدد ما أنفق على هذا المشروع منذ بداية تأسيسه، وما خسرت إيران على مدى سنوات الحصار القاسية والمريرة، ومقارنة ذلك بما هو واقع الآن، نستطيع التعرف بصورة دقيقة على جدوى المشروع وخلاصاته، وهذه مسألة تحتاج إلى خبراء موضوعيين لتحديدها، وليس لمتظاهرين لتسويق الخسائر على أنها أرباح.
في بلاد كثيرة، يحتفل بتخفيض عقوبة الإعدام إلى المؤبد، إلا أن هذا يختلف كثيرًا عن الاحتفال بالنصر!