عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

كيف نتعامل مع «طالبان»؟

يقول أحدُ المسؤولين في حكومةِ حركة «طالبان»، حتى لو ألقيتم قنبلةً نوويةً علينا لن نسمحَ للمرأة بالدراسة والعمل. وعلينا أن نصدّقَه حرفياً، فالرجلُ يعني ما يقول. سبقَ وفشلَ قصفُها وإعادتها للعصر الحجري، لأنَّ «طالبان»، نفسَها، تحب أن تعيشَ في العصر الحجري.
عالمياً، يتصاعد الغضبُ والاستنكار من تصرفات «طالبان»، وعبّرت عنه دولٌ إسلامية، مثل السعودية، التي شجبت قرارَ منع الفتيات من الدراسة والعمل. وغلبت على المحافل الدولية دعواتٌ تطالب بأقسى التدابير ضد الحركة.
في رأيي، لن تُفلحَ كل المعالجات المقترحة، من وقف المساعدات إلى القوة العسكرية، لأنَّ «طالبان» لن تنصاع. هذه هي «طالبان» سابقاً وحالياً. الحل هو في الاهتمام بتوعية «طالبان»، قياداتها ومنسوبيها، بالإسلام المعتدل.
«طالبان» مشكلةٌ بذاتها، وستحتاج إلى علاجٍ ثقافي طويل يؤهلها. أمَّا الآن، على العالم أن يتعايشَ معها، ويتعرَّف عليها بشكل جيد. هذه الجماعة ليست حكومةً بالمفهوم الحديث، وليست إرهابية مثل «القاعدة» التي تتشكَّل من جنسيات متعددة ولا تعترف بالحدود. «طالبان» ليس لها مشروعٌ خارجيٌّ ولا تطمح لتغيير العالم. معظمها من قبيلةٍ واحدة تعيش خارج العصر ولا تبالي كثيراً بما هو خارج حدودها، على الأقل حتى الآن. عاشت زواجاً كان قصيراً مع «القاعدة» عرَّفها على تجارب عسكرية ومفاهيم سياسية مختلفة، وجلب لها متاعب جمة.
«طالبان» تحمل أفكاراً محليةً قبليةً قديمة. اكتشف الأميركيون الأمرَ بعد عقدين من محاولات استئناس الجماعة وفشلوا. فقد سعت الولاياتُ المتحدةُ لإقامةِ نظامٍ أفغانيٍّ مدنيٍّ حديث، وكلَّفها الكثير، لكنَّها عجزت عن حمايته. اقتنعت، بعد عشرين سنة، بأنَّها قادرةٌ على هزيمة تنظيم مثل «القاعدة» و«داعش» في أي مواجهة، لكنَّها لن تستطيعَ إنهاء «طالبان». لهذا جعلَ الأميركيون أولَ بندٍ في اتفاق الدوحة، أن تتعهَّدَ «طالبان» بعدم السماح لأي جماعةٍ معاديةٍ للولايات المتحدة، بما فيها «القاعدة»، بالعمل على أراضي أفغانستان. لم يتضمَّن الاتفاق صيغةَ الحكم أو إدارة المجتمع.
قوة «طالبان» من قوة قبيلتها، البشتون، في وجهِ منافسيها من المكونات المحلية الأخرى، الطاجيك والهزارة والأوزبك. وهذا لا ينفي الدعمَ الخارجي لـ«طالبان»، الذي يصل لكل القوى المتقاتلة في أوقات الحروب. وتكفي نظرةٌ سريعة على الخريطة لنفهم جذورَ وتعقيداتِ الجغرافيا السياسية هناك، نتيجة لها كانت أفغانستان ممر الجيوش، وساحة صراع القوى والإمبراطوريات، تاريخياً. لها حدود مع الصين، وإيران، وباكستان، ومع دول الاتحاد السوفياتي السابق. بلدٌ مغلقٌ من دون ممر على البحر، وفقير الموارد، سكانُه أربعون مليون نسمة، ومساحته ضعف دولة مثل ألمانيا.
لن ينفعَ مع «طالبان» سلاحُ التجويع الاقتصادي، ولن يردعَها سلاحُ المارينز، ولا السلاح النووي. «طالبان» حركة متشددة دينياً واجتماعياً، وأمضى سلاح قادر على تغييرها هو التثقيف ونشر مفهوم الإسلام المعتدل، بكل الوسائل التي يمكن أن تصلَ إلى عيونهم وأسماعهم.
قادتهم من جيلٍ قديم وعسكرهم من جيل صغير، يعيشون في عزلة عن العالم، وعلى قناعة بأنَّهم على حق والعالم على باطل. الكثير من المجتمعات الإسلامية كانت منغلقة وتطورت مع برامج التوعية والانخراط التدريجي في العالم الحديث. بقيت «طالبان» حالةً عسيرة نتيجة للحروب الماضية. أول حاكم لها الملا عمر، سمعنا به ولم يشاهده إلا قلة. كانت له صورة واحدة باهتة، تم تصويره فيها خلسة، لأنَّه يعدُّ التصويرَ حراماً ويعاقب عليه فاعله.
ونلاحظ اليوم لـ«طالبان» مواقف تعبّر عن اختلافات داخلها، ويبدو أن المتشددين انتصروا أخيراً. بعض قياداتها، الذين عاشوا في الخارج، في باكستان وقطر، وعادوا إلى كابل، أقلَّ تشدداً، ومن بينهم المتحدث باسم الإمارة الذي لم يجد رداً مقنعاً على محاور الـ«سي إن إن»، عندما سأله مستنكراً: كيف يمنع الأفغانياتِ من الدراسة في حين يترك بناته يدرسن في الدوحة؟
مواجهة الفكر المتطرف والمتشدد في أفغانستان تتطلب التعاون مع أصحاب البرامج الناجحة في التوعية الإسلامية. وهذا لا يعني أن تكونَ تذكرة مجانية للاستعانة بجماعات سياسية، مثل «الإخوان المسلمين» التي تبدو للحكومات الغربية جماعة متمدنة. و«الإخوان» في واقع الأمر كذلك إلى حد ما، لكن الخطورة في مشروعها السياسي، فهي التي أسست فكر الدولة الدينية التي ظهرت منها تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش»، وقادرة على تحويل «طالبان» إلى «قاعدة» آخر.