قد يكون في ثقافة الشعوب التي تحتفل بأعياد الميلاد «الكريسماس»، هذه الأيام، أن يأتي بابا نويل لتقديم الهدايا للأطفال، باستثناء هذا العام الذي يعيشه أطفال دولة مثل أوكرانيا يعبر عن مدى فظاعة الحرب ومآسيها، وما يحدث اليوم قد يكون سبباً في حصول حالة من العشى المعرفي في إدراك الحقائق المركبة، فقد غرق العالم في التضليل والفهم السقيم، والهيمنة والنفوذ المباشر عبر الوجود المادي.
كل ذلك تحكيه قصص وحكايات مدنية من تحت القصف في حرب أوكرانيا، حيث روى مدنيون من تشرنيهيف شمال أوكرانيا أهوال ما تعرضوا له من ويلات الحرب في المدينة، وكذلك الحال في الجانب الروسي حيث يتابع المراهقون الروس الحرب على أوكرانيا على مواقع التواصل الاجتماعي عبر شاشة هواتفهم، وصرح أحدهم لوسائل الإعلام بأن «مستوى الرؤية تدهور لديّ، منذ بداية الحرب، وأنا منكبّ على الهاتف طوال الوقت».
وفي موسم الأعياد هذا، ما زالت الحرب محتدمة بين روسيا وأوكرانيا، وفتح باب الاحتمالات بعد خلط وزعم تعلنه أوكرانيا بأنها أمسكت بزمام المبادرة الاستراتيجية، وهي تحافظ على وضعية الهجوم في ميدان القتال، وخاصة بعدما زودتها أميركا بنظام الدفاع الصاروخي باتريوت، وتقديم 850 مليون دولار من المساعدات الأمنية الجديدة، فهل حزمة المساعدات الأميركية الجديدة لأوكرانيا هي لإطالة أمد الحرب ومزيد من القتلى والضحايا؟
علماً بأن الأوكرانيين يعلمون أن الولايات المتحدة هي القائد الحقيقي لهذه الحرب، وقد بلغت المساعدات الأميركية 50 مليار دولار، وتعهدها بالدعم والمتابعة لمجريات الأحداث؛ لأن أوروبا في الغالب مفككة في نهجها تجاه أوكرانيا، وخاصة بعد عودة زيلينسكي من واشنطن وإصراره على استمرار الحرب.
لكن يبدو أن في الأفق عكس ما يظهره الرئيس الأوكراني للعالم بأنه متفائل بالنصر بعد زيارة واشنطن، وكل شيء يخبر أن حرب الغاز التي تشنّها روسيا حالياً ضد الدول الأوروبية وأوكرانيا تثير الكثير من الصعوبات والمشاكل الاقتصادية، وفي الموقف ذاته خطاب الرئيس الروسي يدعو إلى حل سلمى لإنهاء تلك الحرب المريرة، نفهم من خلال هذه الخطابات تلميحاً إلى فراغات تشتد خطورتها بقدر حدوثها ونتائجها، فالوضع المتردي في أوكرانيا، التي فقدت 20% من أراضيها، وضم روسيا للمقاطعات الأربع: لوهانسك ودونتسك وزابوريجيا وخيرسون، وتدمير جزء كبير من البنية الأساسية الأوكرانية.
هناك تلميحات وإشارات متسرعة عجلى لا تزيد الصورة إلا تشويشاً واختزالاً، ونحن نعلم أن النفوذ الأميركي هو النفوذ السياسي في الغرب، وهو الذي يحدد بنسبة عالية مستقبل أوكرانيا واقتصادها وتطورها وقدرتها على بلوغ غايتها، كذلك الأولويات وتقيس الحصيلة بالمعايير الأساسية التي تريدها كالعدالة الدولية، والشرعية الدولية، والقوانين الدولية، وحقوق الإنسان، وهذا التسليم تراه الغالبية العظمى هراءً وكذباً وتضليلاً لواقع محتدم لا يستطيع مقاومة المكر والخداع والاحتلال.
خطابات تختلط فيها الأفكار بالتباين والتناقض فتسقط في التحريفات والشوائب، وينجم عنها ضعف الإحساس بالمسؤولية، وحدوث صدام بين البلدين المتحاربين؛ الولايات المتحدة وروسيا، بنسبة مرتفعة، ويتهم بوتين أيضاً الغرب بالسعي إلى تقسيم روسيا ويقول بأنه مستعد للتفاوض بشأن أوكرانيا، فالسياسة، كما يقول كانط: «فن صعب ولكنها ليست كذلك إذا جمعنا بينها وبين الأخلاق؛ لأن الأخلاق تقطع في المشكلات التي تستعصي على السياسة فور وقوع النزاع بينهما».
فالحرب الأوكرانية خلفت ويلات عدة ومشكلات جمة، مسّت بشكل كبير الاقتصاد والعلاقات الدولية، التي تحددها أوروبا بالدرجة الأولى لتعيد حسابها من أجل إيجاد حل للأزمة العالمية العامة بما أنهم أكثر المتضررين، بينما أميركا عازمة على المضي قدماً في هذه الحرب مضمرة لحسابات تنمّ عن تصفية مكشوفة، وبوتين يريد إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن كما قال، وأن هذا يحدث من خلال الوسائل الدبلوماسية. إلا أن الولايات المتحدة تقول إنه لم يظهر أي مؤشر على الإطلاق على استعداده للتفاوض.
لا شك أنه عصر جليدي حوله سياج شائك وظروف قاهرة، وسلسلة أقدار مترابطة تضخمها النوايا، مهما كانت صغيرة، وفكر سياسي لا تفهم نشوءه وتكونه له أوجه عديدة من التقصير والفداحة تفوق التقدير.
8:32 دقيقه
TT
صدام الجبابرة ومعاناة العالم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة