حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

وفاز العرب بكأس تنظيم بطولات العالم

وتنفس العرب الصعداء بنجاحهم اللافت في تنظيم أهم وأضخم مناسبة تنافسية رياضية على كوكبنا، وقطر هي التي مثّلتهم في هذا النجاح تماماً كما مثّلت العالم العربي انتصارات المنتخبات السعودية والمغربية والتونسية في المنازلات الصعبة مع الأرجنتين وفرنسا والبرتغال.
ولم يتجاوز الحقيقة مثقف عربي حين قال بعد إسدال الستار على المونديال العالمي في قطر بعد المنازلة «الرهيبة» المثيرة بين الأرجنتين وفرنسا: «فازت الأرجنتين بكأس العالم، وفازت قطر ببطولات كأس العالم»، فتنظيم هذا المونديال الجماهيري الصاخب ليس سهلاً بالمرة؛ إذ تتسمر عيون مليارات البشر لا تَدَع شاردة ولا واردة إلا دوّنتها ونقلتها وبثّتها، بعد أن تحول كل واحد مع الهاتف الذكي والتواصل الاجتماعي إلى إعلامي يصور ويعلق ويحرر ويمنتج ويبث منتوجاته على الهواء مباشرة من غير حسيب ولا رقيب، فلم يحدث ما يعكر نجاح تنظيم المونديال، وكانت حادثة واحدة كبيرة كفيلة بأن تضع ندوباً تشوّه وجه هذه المسابقة الرياضية العالمية الكبيرة التي نجح العرب في تنظيمها كاسرين رهانات كانت تجزم بفشلهم المتوقع.
ولهذا تأتي أهمية ورمزية ارتداء اللاعب الأرجنتيني ميسي للمشلح العربي (وليس الخليجي فحسب، فهو، كما هو معروف، موجود في أغلب الدول العربية)؛ فلطالما اتخذه جل الإعلام الغربي والمتأثرون به رمزاً للعربي الغني الغبي والمتخلف، ليقول مشلح ميسي للعالم «الأول»، إن الأول تحَوَّل، وإنه قد آن الأوان أن يكفوا عن النظرة الدونية للآخرين، وإن ما صوّرته أفلام «هوليوود» ذاك العربي الأعرابي لابس المشلح المتجهم الجلف العتل والزنيم، هو في الحقيقة «جنتل» لطيف ودود مضياف، وإن ما اعتبره الإعلام الغربي تخلفاً، هو رمز تقليدي يفخر به أهله، كما يفخرون بعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم، والأخيرة بالذات تعرضت في هذا المونديال لهجمة شرسة من فوق العرب، ومن تحت أرجلهم، وعن يمينهم، وعن شمالهم؛ فكانت مقاومة ناجحة أشهدت العالم أن قيم الشعوب وأخلاقياتها وعاداتها خطوط حمراء لا يملك أحد مهما بلغت قوته أن يغيرها أو يفرض بديلاً مرفوضاً.
كان المونديال الكروي العالمي كوة أطلت منها شعوب الكرة الأرضية على عالم جميل ومختلف... كان مشهداً وكرماً حاتمياً لافتاً حين فتحت العائلات القطرية ضيافة مجانية أمام بيوتها في الدروب المؤدية إلى ملاعب كرة القدم، من قهوة عربية وشاي وحلويات، وشاهدوا الألوف وهم يؤدون فريضة الصلاة، ثم يعودون إلى الملعب ليستمتعوا بالحياة وإثارتها ومباهجها، لا كما يصوّرهم الإعلام الغربي يصلّون قبل تنفيذ عملية إرهابية وحشية.
الكأس العالمية التي رفعها ميسي، معلناً فوز الأرجنتين ببطولة كأس العالم، رفعها العرب أيضاً بنجاحهم في الفوز بكأس تنظيم بطولات أكبر وأضخم تظاهرة رياضية.