هاني عبد السلام
مسؤول قسم الرياضة
TT

مونديال ميسي والمغرب

كانت المباراة النهائية الدراماتيكية للمونديال القطري التي كرست أسطورة النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي (المنتقصة) هي أفضل تعبير عن مسابقة ستظل خالدة بتاريخ كأس العالم على أنها الأكثر إثارة ومفاجآت، وقدمت للعرب أكبر هدية بوصول المغرب لنصف النهائي.
بمنتخب قد لا يراه كثيرون هو الأفضل، استطاع ميسي أن يحمل على عاتقه المهمة الشاقة، ونجح بمنح الأرجنتين النجمة الثالثة بلمساته السحرية على حساب فرنسا والفذ كيليان مبابي بركلات الترجيح بعد تعادلهما 3 - 3 في الوقتين الأصلي والإضافي.
ورغم مسيرة متألقة انتزع فيها ميسي 37 لقباً مع برشلونة الإسباني وباريس سان جيرمان الفرنسي، إضافة إلى تتويجه بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم سبع مرات، وإحرازه جائزة الحذاء الذهبي لأفضل هداف في أوروبا ست مرات، إلا أنه دائماً ما كان يصطدم في بلاده بشبح الأسطورة الراحل دييغو أرماندو مارادونا، الذي كان إلى ما قبل المونديال القطري هو البطل الأول الذي لا ينازع في بلاد «التانغو».
التتويج بالكأس الذهبية حال لسنوات وسنوات بين ميسي وقلوب الأرجنتينين المتعلقة بمارادونا، الذي منح البلاد الكأس العالمية بمهاراته التي لا تضاهى في مونديال المكسيك 1986، أفلتت من ميسي في مونديال 2014، فرصة تدوين اسمه إلى جانب مارادونا والأسطورة البرازيلي بيليه ، حين وصل برفقة مجموعة من الموهوبين إلى النهائي، إلا أنهم سقطوا أمام ألمانيا بهدف قاتل بالوقت الإضافي.
وفي المونديال القطري، وعلى الرغم من أن التشكيلة الأرجنتينية لم ترق لمستوى فريق 2014، وتعرضت لصدمة بخسارة مدوية افتتاحاً أمام السعودية (1 - 2)، إلا أن ميسي نجح في الارتقاء بمجموعته بطريقة الخطوة خطوة، مذكراً الجماهير بما فعله مارادونا في مونديال 1990 عندما وصل للنهائي بعد خساراة أولى مفاجئة أمام الكاميرون، لكن «البرغوث» الصغير نجح فيما فشل فيه قرينه الأسطوري (خسر بالحاجز الأخير أمام ألمانيا 1 - صفر) ومنح بلاده الكأس الذهبية.
التتويج العالمي عاد بمحبي المقارنات لطرح السؤال المتكرر... هل ميسي هو الأفضل في كافة العصور؟... وهو السؤال الذي إجابته لا بد أن تكون مجحفة بحق أساطير سابقين، ليس بيليه ومارادونا فقط، بل الهولندي يوهان كرويف والأرجنتيني (الإسباني الجنسية) ألفريدو دي ستيفانو، والإنجليزي جورج بست، والمجري فرانس بوشكاش، والإسباني فرانشيسكو خنتو، وغيرهم كثيرون وصولاً إلى البرتغالي كريستيانو رونالدو.
عند عقد المقارنات لا بد أن ينظر لحالة كل لاعب والمنظومة التي حوله، فملاعب اليوم المجهزة بكل التقنيات الحديثة ومراكز التدريب التي تخضع لمقاييس علمية وطبية عالية المستوى، ليست هي التي كان يستعرض عليه نجوم سابقون مهاراتهم، حتى الكرة نفسها خضعت لكثير من التعديلات، لم تعد تلك التي تتأثر بالأمطار والأرض الموحلة، بل باتت تحفة فنية تقاس سرعتها ودقة استدارتها بالفيمتو مليميتر.
نعم ميسي هو أسطورة عصره بالموهبة والأرقام والإنجازات، كما كان بيليه أسطورة عصره، ومارادونا كذلك... من حق «البرغوث» أن ينال التكريم اللائق دون أن ينتقص أحد من أسطورته، وأيضاً من دون أي مقارنات. إذا كان زمن ميسي ومبارزته الساخنة لسنوات مع رونالدو على لقب الأفضل قد اقترب من نهايته، فإن عشاق اللعبة يمنون النفس أن يجود الزمن بمواهب جديدة، والأنظار على الفرنسي كيليان مبابي والنرويجي إيرلينغ هالاند لملء هذا الفراغ، ولو بالمنظور القريب.
لقد كان مونديال قطر حسن الختام لمسيرة ميسي الدولية، وأيضاً أكبر احتفال لجمهور الكرة العربية والأفريقية بالمفاجأة السعيدة التي قدمها المغرب ببلوغه نصف النهائي، والتي نأمل أن تكون بوابة الأمل لمستقبل مشرق لمنتخبات تعاني منذ عقود لإثبات الذات.