أحمد شوبير
TT

كأسك يا ميسي

انتهى المونديال... وأسدل الستار... ولكن بقيت الدروس والعبر، وما أكثرها في مونديال العرب نسخة «قطر 2022».
وسبحان الله... ينتهي المونديال وقد حكمت الساحرة المستديرة على الجميع بميزان العدالة الكبير... عاقبت المستهتر... وفتحت ذراعيها بقوة للمجتهد... كافأت ميسي وتوجت رحلة كفاحه الطويلة بلقب كان ينقصه حتى يكتمل دولاب نياشينه الفردية والجماعية، ليرسل هو باللقب الغالي إلى روح مارادونا - آخر من حمل لواء التانجو للتويج باللقب في نسخة 86 بالمكسيك - ليبقى ميسي ومارادونا علامات فارقة بحق في تاريخ هذا المنتخب العريق.
كما أن الكرة لم تبخس حق مبابي، فظهر وهو قائد شاب متوهج بحضور راقٍ ورائع لمنتخب بطل هو منتخب فرنسا العريق... منحت كرواتيا ثمن العرق شرفاً ومكاناً ومكانة فوق منصات المجد كثالث العالم... ثم وهبت المغرب مفتاح اقتحام دائرة الكبار في ظل ما قدمه أسود الأطلس من جهد وتعب وعرق وإصرار على تقديم نسخة مختلفة، وقد كانوا بحق عند الوعد والعهد.
وفي الوقت ذاته، عاقبت فيه منتخبات كبيرة كإسبانيا والبرتغال مثلاً، اللذين ظنا أن عبور المغرب في الدورين الـ16 والـ8 أمر سهل المنال... فكانت العقوبة موجعة... وطردت فاكهة الكرة العالمية من سلة المنتجات المعمرة في البطولة، فودع البرازيل المنافسات، رغم أنه كان قاب قوسين أو أدنى وعلى بعد دقائق معدودة من التأهل ومواصلة المشوار.
خرج المونديال العربي ثرياً بتجارب صعب تكرارها بأي مكان في العالم... الحفاوة والكرم العربي والرقي والتعامل بمثالية من الجميع مع كل الوفود من كل ربوع العالم كان درساً للعالم، وسيبقى عنواناً حضارياً خالداً في تاريخ كأس العالم.
قدرة البلدان العربية على تنظيم كبرى البطولات، وبهذا الشكل المبهر تدفع وتشجع عرباً آخرين لخوض التجربة، بعدما كان العالم كله يظن أنه أمر مستبعد، وهذا درس آخر.
الفكرة النمطية للغرب عن العرب إجمالاً تحولت تحولاً جذرياً بعدما رأوا بأعينهم كيف أن الدول العربية فعلاً رائدة على المستوى الثقافي والأخلاقي والقيمي، واحترام الآخر مع التمسك والاعتزاز بالأعراف والتقاليد والأخلاق العربية الأصيلة... درس سيدوم.
الإصرار على الخطأ لا يمكن أن يؤدي إلى نجاح، واسأل إن شئت منتخب ألمانيا كيف الحال الآن... درس وعبرة لن ينساها العالم أبداً.
الكرة متعة حقيقية، فلنجعلها دائماً كذلك، وهي وحدها قادرة على إسعاد الشوارع والشعوب أياً كانت صعوبات الحياة، درس قديم جديد بعثته بقوة النسخة العربية للمونديال.
الحكم قاضٍ... والصافرة ناطق دائم بأحكام العدالة بين الجميع دون النظر لألوان ولا أسماء ولا تاريخ ولا ماضٍ ولا حاضر، مع التأكيد على أن الأخطاء العادية واردة، وستبقى كذلك، شرط أن تكون في إطار اللاتأثير واللاتعمد للإضرار بطرف على حساب طرف... حكمة ودرس كبير جداً.
المنتخب السعودي كان من المكن جداً أن يكون الحصان الأسود للبطولة، ويصبح حديث العالم كله، لولا أنه ترك نفسه لنشوة الانتصار الأول، فودع هو من الدور الأول، بينما واصل المهزوم (الأرجنتين) التركيز والإصرار والانتفاض والتعويض فتوج بالبطولة، في درس هو الأكبر والأقوى والأصعب جاء تحت عنوان «من فنون اللعبة ألا تأمن للكرة إلا مع صافرة النهاية، مباراة كانت أو بطولة».
إجمالاً... هي نسخة مونديالية ثرية سنظل نتناقش ونتحاور حول نتاجها الكبير على الأصعدة كافة لزمن قادم طويل... فمبروك لقطر والعرب... ومبروك للمغرب إنجازه الكبير... ومبروك لكل مجتهد نال نصيبه من التكريم... و«هارد لك» لكل من حاول واجتهد ثم أخفق، فشرف الكفاح يكفيه... وتبقى بعد كل هذا وذاك دنيا الكرة ساحرة مستديرة عجيبة غريبة جميلة... ويبقى التنافس شريفاً... وتبقى اللعبة مثيرة من البداية حتى النهاية.