شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

أحداث السويداء تعيد تذكير العالم بتفاقم الأزمة السورية

«الشعب يريد إسقاط النظام»... كانت تلك الكلمات التي ترددت على ألسنة مئات المتظاهرين الذين احتشدوا في «ساحة المشنقة» أمام مقر حزب البعث السوري في السويداء، في 4 نوفمبر (تشرين الثاني).
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تشتعل فيها احتجاجات في السويداء، المدينة ذات الأغلبية الدرزية الواقعة جنوب شرقي سوريا. بيد أن الأهم من ذلك كان ترديد هذه العبارة التي أصبحت «سيئة السمعة» بعد أن اشتهرت طوال فترة «الربيع العربي».
في الواقع، كان الأكثر أهمية ما حدث بعد ذلك، عندما اقتحم المتظاهرون المبنى، وأشعلوا النار في بعض أركانه، ومزقوا صورة ضخمة لبشار الأسد كانت معلقة على الواجهة الأمامية للمبنى. ومع وصول قوات النظام الأمنية إلى مكان الحادث، جرى تطويق سياراتهم، وأضرمت النيران في عدد منها. وأحضر المتظاهرون مزيداً من صور الأسد إلى الشارع ومزقوها وداسوا عليها بالأقدام، بينما جرى إغلاق طريق دمشق - السويداء السريع. وسرعان ما اشتعل إطلاق نار، أعقبته حالة من الفوضى، أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة 18 آخرين.
في اليوم التالي، سادت حالة من الهدوء شابها بعض التوتر. أما اليوم الدموي، فكان بمثابة تذكير بمدى ضعف قبضة نظام الأسد على السلطة. وفي حين أن 10 سنوات من الإرهاب أعادت كثيراً من أرجاء سوريا إلى حالة الخوف التي سادت فيها قبل الانتفاضة السلمية عام 2011، فإن سعي النظام دونما هوادة للبقاء، دفع البلاد نحو حفرة عميقة يبدو من غير المحتمل أن تنجو منها في أي وقت قريب.
كانت الاحتجاجات الأخيرة في السويداء قد اندلعت بسبب مجموعة من الشكاوى، تتنوع ما بين الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والمياه، إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، علاوة على تفشي الفساد وارتفاع معدلات الجرائم.
وفي الوقت الذي يبدو فيه أن وسائل الإعلام الحكومية أقرت بالأنباء الواردة من السويداء، فإنها ألقت اللوم في العنف على «عناصر مسلحة خارجة عن القانون»، من دون الإشارة إلى أي أسباب مشروعة للاحتجاج.
وفي سياق متصل، فإن استعداد السوريين للنزول إلى الشوارع اليوم ليس مفاجئاً على الإطلاق، ذلك أن أكثر من 90 في المائة من السوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، ويعيش ما لا يقل عن 12.5 مليون شخص بلا طعام كافٍ كل يوم. إلى ذلك، تضررت سوريا بشدة من تفشي الكوليرا في الآونة الأخيرة، التي يعتقد أنها أصابت عشرات الآلاف من الأشخاص في معظم أنحاء البلاد.
في الوقت ذاته، تواصل الليرة السورية الهبوط وسط التضخم المتصاعد الذي جعل قيمة العملة عند أكثر من 6000 مقابل دولار أميركي واحد. ويبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي في دمشق اليوم 20 دولاراً، بينما تبلغ تكلفة إطعام أسرة مكونة من 5 أفراد حوالي 300 دولار. ولا يزال أكثر عن 50 في المائة من البنية التحتية الأساسية في سوريا مدمراً، رغم مرور 4 سنوات على انتهاء ذروة الصراع المسلح. في الوقت ذاته، ما تزال التكلفة المتوقعة لإعادة الإعمار 500 مليار دولار على الأقل، وهو رقم خيالي لم يتحقق منه شيء على أرض الواقع.
في هذه الأثناء، تلاشى أي أمل ربما يكون قد نبع من سعي الحكومات الإقليمية للتطبيع مع نظام الأسد، مع تسبب «قانون قيصر» الأميركي في ردع الاستثمارات الاقتصادية، وقضى عناد النظام وفساده على أي أمل في معاودة التعاون.
في الداخل السوري، فإن قدرة النظام على حماية شعبه من الانهيار الاقتصادي وتداعياته أعاقتها حالة الضعف الاقتصادي العميق، وكذلك فساد النظام. جدير بالذكر هنا أن موازنة سوريا المقررة لعام 2023، تبلغ 6.5 مليار دولار، بانخفاض 30 في المائة عما كانت عليه قبل عامين. وبناءً عليه، سيجري تخفيض الدعم الموجه للأغذية الأساسية، مثل الدقيق والقمح بشكل أكبر، بينما يبدو أن تكاليف الوقود ستستمر في الزيادة.
في الوقت ذاته، فإن أحد البنود القليلة التي ستستفيد من الموازنة الجديدة في سوريا هي الأدوية المستخدمة في الجراحات التجميلية، وهي حاجة ترتبط على نحو وثيق بنخبة النظام. وفي الوقت الذي تستمر فيه النخبة الفاسدة المحيطة بالأسد في إثراء نفسها إلى مستويات هائلة يتعذر قياسها، من المؤكد أن معاناة الشعب السوري ستزداد سوءاً مع مرور الوقت.
وفي حين وافق المجتمع الدولي في بروكسل في وقت سابق من عام 2022 على التعهد بتقديم 6.5 مليار دولار لصالح الجهود الإنسانية في جميع أنحاء سوريا لعام 2022 - 2023، وهو نفس مبلغ الموازنة الوطنية لسوريا بأكملها، فإن النظام صعّد نشاطه في تجارة المخدرات على الصعيد العالمي.
ففي عام 2021، جرى تهريب الكبتاغون المنتج في سوريا (المصنوع في منشآت صناعية في مختلف أنحاء غرب سوريا، تتولى إدارتها وتأمينها الفرقة الرابعة النخبوية، ويتولى «حزب الله» تسهيل عملها جزئياً) إلى الخارج بقيمة سوقية تتراوح بين 20 و30 مليار دولار على الأقل.
وفي حين يشكل الخليج السوق الرئيسية للمخدرات السورية، بدأت تظهر أسواق جديدة في شمال أفريقيا والأردن وتركيا والعراق. والواضح أن هذه الممارسة الإجرامية تتوسع على نطاق واسع للغاية، ولا يولي العالم اهتماماً كافياً لما يترتب عليها من تهديد للاستقرار والأمن الدولي والصحة العامة. ومع ذلك، يبقى الأهم أن مثل هذه الممارسة الإجرامية تعد بمثابة إهانة أخرى للشعب السوري، الذي لا يزال يعاني في ظل نظام ينتج الآن مخدرات بقيمة أكبر مقارنة بعصابات المكسيك مجتمعة.
ومن جديد، يجري تذكير العالم، ومن خلال أدلة واضحة، على أن الأزمة السورية لا تزال من دون حل، وأن الأسباب الجذرية والعوامل المزعزعة للاستقرار لا تزال متجذرة بعمق. وفي الوقت الذي زادت اليوم صعوبة تصور حلول للأزمة أكثر من أي وقت مضى، فإن ترك النظام بلا رادع والتخلي عن جهود التوصل لتسوية شاملة، لا يضمن سوى استمرار المعاناة وغياب الاستقرار على المدى الطويل.