طموح رجال بشموخ جبال الأطلسي

يا له من مسار ناجح... صعب على التصديق حتى في الحلم، إنجاز يصيب أشد المتفائلين بالذهول والانبهار، وحتى الرهبة.
المغرب في المربع الذهبي لكأس العالم قطر 2022. من فضلكم هل استوعبتم الحدث؟ وهل صدقتم هذه الحقيقة؟
رجال آمنوا بحظوظهم إلى آخر رمق، دافعوا ببسالة على حق مشروع، حق اعتقد أصحاب الاحتكار المزمن، أن هناك أمكنة خاصة بـ«الكبار» فقط، أما من يصنفون صغاراً، فمآلهم الإقصاء والمغادرة المبكرة، أو الدور الثاني، في أفضل الأحوال.
«أسود الأطلسي» جاءوا للدوحة القطرية، وفي نيتهم تكسير قاعدة الهيمنة والاحتكار، مسلحين بعزيمة فولاذية، وطموح لا يقاوم، حصدوا في طريقهم مدارس كروية، يشار لها بالتميز، لم يعيروا أدنى اهتمام لهالة إعلامية، تسبق عادة منتخبات معينة، وتضعها في مقدمة الترشيحات.
بدور المجموعات، أحرجوا كرواتيا، فارضين عليها التكافؤ، تجاوزوا بلجيكا، ورموا بها وسط جحيم من المشكلات الطاحنة، لقنوا كندا درساً بليغاً.
في دور الـ16، كذبوا أسطورة إسبانيا... المنتخب الذي لا يقهر، أما في ربع النهائي، فوقعوا على نهاية حزينة لنجم كبير اسمه كريستيانو رونالدو وكتيبته المتضامنة، حكموا عليهم بالمغادرة، وهم يجرون أذيال الخيبة، ومرارة الإقصاء.
لم تكن مباراة الربع سهلة، ولا أبداً في المتناول، كنا نعرف جيداً أن الموقعة ستكون ضارية، وما زاد من صعوبتها بالنسبة للمنتخب المغربي، معاناة أغلب العناصر من تبعات الإعطاب، وتأثير العياء.
استطاع يوسف النصيري، توقيع هدف السبق بضربة رأسية محكمة، وكأنها إعادة طبق الأصل للهدف الذي سجله بمرمى الإسبان، خلال مونديال روسيا 2018، هدف حمل المنظومة الدفاعية للمنتخب المغربي ثقل المواجهة، خاصة مع تزايد رغبة البرتغاليين بتسجيل هدف التعادل، شعوراً منهم بخطوة الموقف.
طيلة الشوط الثاني، والدقائق الثمانية التي أضافها الحكم، وقتاً محتسباً بدلاً من الضائع، شهدت أرضية ملعب الثمامة، قتالاً عنيفاً، طبع بلحظات عصيبة، دافع خلاله «كوماندو» وليد الركراكي ببسالة، كما قاوم بروح وطنية عالية.
مرت الدقائق والثواني، وأجزاء المائة ببطء شديد، تمنينا لو كانت أسرع من دقات قلوبنا التي خفقت بشدة، أمام كل تسديدة، وكل تسرب، وكل مراوغة، وكل عملية مباغتة، هنا برز مرة أخرى، أسد أطلسي واثق من إمكانياته، ويمنحك الاطمئنان والثقة بالنفس.
ياسين بونو تدخل بنجاح في أشد اللحظات صعوبة، واجه البرتغاليين باستماتة تدرس، لم يرتبك، لم يعطِ أي إشارة على تراجع أو تخوف، وقف بشموخ وعنفوان، يبتسم في كل تدخل ناجح، مانحاً الثقة لزملائه، مدخلاً الشك في قدرة منافسيه على التسجيل.
فكان الوصول لنصف النهاية، والمنافس القادم هو منتخب فرنسا، حامل اللقب، والموقع على مسار ناجح، مزيحاً في طريقه منتخبات قوية، آخرها منتخب إنجلترا، بعد مباراة طبعت بالقوة والاندفاع البدني، والصرامة التكتيكية.
ضيع هاري كين ضربة جزاء، حارماً منتخب بلاده من فرصة تحقيق التعادل، مانحاً بالمقابل فرنسا فرصة التأهل دون اللجوء للشوطين الإضافيين، أو الوصول إلى الضربات الترجيحية.
الموعد القادم يوم الأربعاء بملعب البيت؛ في نصف النهائي الثاني، ضد منتخب يعرفنا ونعرفه جيداً، سيلعب المنتخبان بدفتر مفتوح، من دون أسرار، ولا تفاصيل مخفية.
أسود المغرب في مواجهة ديكة فرنسا، والأكيد أن الغلبة ستكون لمن سيحسن تدبير مجريات مباراة تصل بالمنتصر فيها، للمباراة النهاية يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
والمؤكد أن عناصرنا الوطنية لن تخيب الظن، ولن تتراجع بسهولة، بل ستواصل ملحمة العبور، بإصرار الأبطال، وآمال الملايين عبر العالم، ترافقهم وتزيد من تحفيزهم على الوفاء بعهد قطعوا على أنفسهم... لا تراجع ولا استسلام، دائماً إلى الأمام. «سير...سير...سير...سير...».