طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

قمة السياسة الخارجية السعودية

القمم الثلاث التي شهدتها الرياض مؤخراً بوجود الرئيس الصيني؛ السعودية والخليجية والعربية، لا يجب النظر إليها من زاوية محددة، بل من زاوية مختلفة تماماً، لأنها قمم مختلفة، ومعانيها أبعد من جل ما يطرح.
ومحق من ينظر إليها اقتصادياً، أو سياسياً، أو نفطياً، لكنني أنظر إليها من زاوية أنها قمة السياسة الخارجية السعودية التي تقول لنا عدة نقاط مهمة؛ منها أن هذه القمة تقول إن المنطقة، وبقيادة سعودية، تحديداً قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تبحث عن الأفعال لا الأقوال.
المنطقة، وبقيادة ولي العهد، تبحث عن الاستقرار والاستثمار والتطور والتنوع، والانفتاح على الجميع، وعدم التخندق في معسكر ضد الآخر، خصوصاً أن العالم يمر بتقلبات غير محسوبة سياسياً، واقتصادياً.
وما تغير، ومخطئ من لا يرى هذا التغيير ويميزه، أن الرياض غير مشغولة برضاء هذا أو ذاك، وغير معنية بالتقلبات السياسية، وإنما معنية بترسيخ الاستقرار والازدهار لاستغلال كل الفرص المتاحة، وفي الأزمات تكمن الفرص.
وعلى هذا النهج تسير دول الخليج العربي، ودول الاعتدال العربية، وأبرزها مصر، حيث لا أحد مشغول بالتوسع الخارجي، بل الاستثمار الداخلي، وجلب المستثمر الخارجي. ومحاولة فرز كل الفرص المشتركة لخلق غد أفضل.
الرياض، مثلاً، غير مشغولة بالتجاذبات في واشنطن، لكنها حريصة على علاقة مميزة... علاقة لا تقوم على مبادئ حزبية ضيقة وإنما وفق مصالحها، ومصالح الشعب السعودي، ومهما قيل في واشنطن التي باتت تتسم بالحدة والتهور في التصريحات.
ما لا يدركه البعض، في ظل صخب التصريحات الأميركية، أن التحركات بواشنطن اليوم هي لخدمة أهداف حزبية، بينما في السعودية، مثلاً، الوضع مختلف تماماً، حيث ما الذي يحقق لي عائداً؟
كيف أرسخ الانفتاح، والإصلاح، والتحول الاقتصادي، وكيف أكون المستثمر الأكبر في شعبي، وبلادي، وأستغل الفرص المتاحة دولياً، وكيف أبني جسوراً من العلاقات تخدم أهدافي الاقتصادية، والمستقبلية؟
السعودية اليوم تنظر للاقتصاد كمفتاح للسياسة، والعكس. والهدف السعودي هو خلق تجانس يخدم الاستثمار، وحركة الأموال، والسياح، لأنه كلما ارتفع هذا المنسوب انخفض منسوب التطرف والإرهاب، والميليشيات.
يقول لي مسؤول سعودي كبير: «أفضل أن أنفق الأموال لتطوير بلادي على أن أصرفها في حرب. أريد أن أطور بلادي، ولا ألتفت للمخربين الذين سيكتشفون بعد فترة أنهم يحتاجون إلى عشرات السنوات، على الأقل، للحاق بنا».
ولذا فإن القمم الثلاث لم تكن تحيزاً لقطب على حساب الآخر، وقالها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بكل وضوح، وإنما هي قمة السياسة الخارجية السعودية التي تريد أن تجمع، ولا تفرق.
الرياض تريد خلق الفرص، والبحث عن المستعدين، وتشجيع المترددين، وهدفها ليس التوسع، ولا الدعاية، بل كما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز: «نؤكد للعالم أجمع أن العرب سوف يسابقون على التقدم والنهضة مرة أخرى، وسوف نثبت ذلك كل يوم».
كل من زار الرياض، أو أي مدينة سعودية، مؤخراً بات يدرك ذلك جيداً.