محمد الروحلي
TT

درس في الواقعية والتوظيف المثالي

ملحمة العبور تتواصل بكثير من الإصرار والتحدي، فالأسود المتعطشة للانتصارات، واصلت مسارها بثقة في النفس، متخطية كل العقبات ومختلف الصعوبات، كيفما كان حجمها، وثقل وزنها.
بعد تفوق لافت بمجموعة كانت تسمى «مجموعة الموت»، واحتلال مركز الزعامة، جاءت موقعة الإسبان، بدور متقدم يسمح بإمكانية تحقيق المزيد...
وإذا كانت جل مكونات المنتخب المغربي، عبرت عن تقديرها البالغ للمنتخب الإسباني، لاعبين ومدربا، وفي السياق نفسه تحدثت الصحافة المغربية عن المواجهة باحترافية ومهنية، دون إساءة أو تجريح، فإن العكس هو الذي حصل من طرف أصحاب الجوار.
تحدث الزملاء الإسبان بطريقة مجانية عن الجنسيات المزدوجة للاعبين المغاربة، وكأن هذا جرم أو فعل مرفوض، مع أنهم تناسوا أن منتخب بلادهم يضم بين صفوفه لاعبين جاؤوا من دول أخرى، ومن أفريقيا تحديدا، ومع ذلك، فإننا لم نمارس الرقابة ولا التنمر؛ باعتبار أن هذا شأن داخلي، ولا حق لنا بالتدخل فيه، أو التقليل من قيمة «الماتادور».
كما أن تصريحات مدرب إسبانيا لويس إنريكي قبل المباراة، لم تظهر كثيرا من الاحترام للمنتخب المغربي، ولاعبوه مارسوا نوعا من التعالي، متحاشين الحديث بإسهاب عن المباراة، وكأنهم ربحوا الموقعة قبل خوضها.
قدم «أسود الأطلس» درسا بليغا في الواقعية، لم يبالغوا في التفاؤل، لم يندفعوا بحماس المبتدئين، بل لعبوا بكثير من الاحتياط، وظفوا إمكانياتهم بطريقة مثالية، وانتظروا الفرصة السانحة للانقضاض على هذا الثور الإسباني الجانح، وسط غابة من المشاكل والخلافات الداخلية.
وبتوالي دقائق المواجهة، كسب زملاء العميد، غانم سايس المزيد من الثقة في النفس، بينما تسرب الشك وعدم اليقين لصفوف الإسبانيين، ورغم تعدد التغييرات التي قام بها إنريكي، فإن كل المحاولات، أبطلت أمام التدخلات الحاسمة للحارس ياسين بونو، هذا العملاق ذكرنا حقيقة، بصولات حارس مغربي آخر سبق زمانه، ألا وهو بادو الزاكي، واحد من فرسان مكسيكو (86).
بعد انتهاء الوقت القانوني والشوطين الإضافيين، كبر الأمل في الوصول لأول مرة في التاريخ لدور متقدم، وسط ملعب المدينة التعليمية.. الفضاء الذي قدم فيه المغاربة دروسا في طريقة اللعب بهدوء، وعدم التسرع، والأكثر من ذلك احترام الخصم، والاحتكام للروح الرياضية العالية، دون إفراط ولا تفريط، وبوسطية واعتدال.
كان الملعب مشتعلا إلى درجة الجنون، إثارة لا مثيل لها، وحماس منقطع النظير، ليختتم العرس المغربي في ليلة ليست ككل الليالي، بتحقيق تفوق كاسح بمرحلة الضربات الترجيحية الفاصلة، مما سمح للأسود بالوصول إلى ثمن النهاية؛ بينما رمى بالإسبان إلى خارج المسابقة.
بهذا المسار الرائع والاستثنائي، من حق العرب أن يفتخروا، ويرفعوا الصوت؛ ومن حق الأفارقة أن يضعوا ثقتهم في مغرب التحدي، فهو أهل للثقة، ورمز الإخلاص لعروبته وانتمائه الأفريقي.
ستتواصل ملحمة العبور بكثير من التفوق، وبدعم سخي، من طرف هذا الجمهور المغربي الرائع، الذي يقدم الدليل على تميزه، وعلى قيمة حضوره كعلامة فارقة بالمونديال القطري، بل إنه واحد من أسباب النجاح الجماهيري الذي تسجله النسخة (22).
برافو.. برافو.. برافو.. وألف تحية لكل مكونات النخبة المغربية، وهنيئا للجمهور على وطنيته العالية.