كأن العالم هذه الأيام اكتشف لأول مرة أن مناخ الكرة الأرضية في مهب الرياح وسيول الأمطار، وعصف الرمال وانفجار البراكين وهدير الزلازل وفيضان البحار والمحيطات. كأن الله سبحانه وتعالى خسف بنا الأرض على حين غِرّة. كأننا لا نعلم منذ الصف الأول الابتدائي أن مناخ معظم دول الوطن العربي «حار جاف صيفاً.. بارد ممطر شتاءً». لدينا صحاري ورياح رملية وطفح مجاري وضباب وثلوج أحياناً، ونسيم عليل عندما يأتي المساء. ولو راجعنا موسوعة أغاني جارة القمر فيروز لاكتشفنا أنها غنت للطبيعة والمناخ أكثر مما غنت للحب.
أكثر شكوى مناخية نسمع بها أو نقرأ عنها هي ما يسمى بـ«الاحتباس الحراري»؛ وهو مصطلح لم نسمع به إلا قبل سنوات قليلة. ويقول «المناخيون» إن الغازات المسببة للاحتباس الحراري هي ضرورة لبقاء البشر والكائنات الحية الأخرى على قيد الحياة عن طريق الحفاظ على جزء من دفء الشمس وعكسها مرة أخرى إلى الفضاء لتبقى الأرض صالحة للعيش.
لكن التصنيع وإزالة الغابات والزراعة واسعة النطاق أدت إلى تراكم انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. هكذا ترى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهما يُحملان التأثير البشري مسؤولية هذه التغييرات القياسية لمئات أو آلاف السنين الماضية. ليس هذا فقط، بل إن المنظمة تذهب بنا إلى عصر غير عصرنا وعمر غير أعمارنا، في عام 2100! وعلينا أن نصدق أن ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي سيكون أقل بمقدار 10 سم مع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، مرة واحدة كل قرن، حين يكون القطب الشمالي خالياً من الجليد البحري. وحينذاك سيتغير شكل الحياة بتحولات بعيدة المدى في الأرض والطاقة والصناعة والمباني السكنية والنقل والمدن.
في عام 2007، وفي عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، نال نائب رئيس الولايات المتحدة آل غور جونيور والفريق الحكومي الدولي جائزة نوبل للسلام مناصفة على ما بذلوه من جهود لبناء ونشر المزيد من المعلومات والمعرفة حول تغير المناخ.
روى غلام إسحاق زي، نائب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، أن أكبر التحديات التي تواجه هذا البلد هو تغير المناخ. وهو بحكم عمله لا يخوض في السياسة أو الاحتلال الإيراني للعراق أو الفساد العام في الدولة ولا الميليشيات. وأضاف: «عندما سافرت إلى بغداد مؤخراً كانت بلاد النهرين مختلفة تماماً عما رأيته منذ عقدين حين كنت أعمل في العراق أيضاً، فالغبار يملأ الجو وتثيره الرياح الساخنة. وهناك مساحات شاسعة من الأراضي القاحلة التي تنتشر فيها أشجار النخيل العنيدة التي تكافح بصبر للصمود أمام عوامل الطبيعة المتغيرة. وعندما سألت العراقيين عن السبب، قيل لي إن الأمر لم يكن هكذا من قبل، لكن تغير المناخ أثر سلباً على هذا البلد بصورة هائلة، فهذا البلد المعروف بالأرض الجميلة والخصبة عبر تاريخ من الحضارات التي قامت على حوض دجلة والفرات، يقف الآن على خط المواجهة أمام أزمة المناخ العالمية باعتباره يحتل المركز الخامس بين أكثر الدول ضعفاً في العالم».
يشكو العراق اليوم من قيام تركيا وإيران بخفض واردات العراق المائية وتحويل مسارات الروافد النهرية إلى داخل تركيا وإيران بشكل غير عادل. وتضاعفت المشكلة مع انخفاض قياسي في هطول الأمطار وجفاف مياه الأهوار جنوبي البلاد وازدياد ملوحة الأراضي الزراعية. وطبعاً معظم الدول العربية تعاني من شحة مياه الري.
إلى سنوات قليلة مضت لم نكن نسمع أو نقرأ عن تحديات تواجه المناخ، وخاصة في المنطقة العربية. وكان حدثاً تاريخياً أن يُعقد مؤتمر دولي ضخم قبل أسبوع عن هذا الموضوع في شرم الشيخ بمصر، وحضره كبار قادة العالم، في وقت تشتعل في «مناخ» آخر حرب دامية بين روسيا وأوكرانيا ذهب ضحاياها حتى الآن مئات الألوف من الجانبين، دون أن تلوح في الأفق أي بارقة أمل بسلام قريب.
حتى صناعة النقل البحري تعاني من عقبات، كما قال الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، بسبب المناخ. ويرى بعض خبراء المناخ أن المشكلة تتصل أساساً بالبيئة والاحتباس الحراري غير المسبوق، ما أثر على كوكب الأرض.
وكانت الأمم المتحدة أطلقت في 2021 حملة عالمية تحت عنوان «اعملوا الآن» التي تهدف إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعناية بكوكب الأرض مع تزايد الكوارث الطبيعية في مختلف دول العالم، مثل فيضانات ألمانيا وحرائق الغابات السنوية في كندا والولايات المتحدة وأستراليا. وقد احتاج أكثر من 166 مليون شخص في أفريقيا وأمريكا الوسطى إلى المساعدة بسبب الطوارئ المناخية والغذائية. كما أن هناك أرقاماً تصل إلى 80 مليون شخص قد يعانون من المجاعة بحلول عام 2050. صحيح أن هذه الأرقام غير مؤكَّدة، إلا أنها تدق جرس الإنذار باحتمالات كارثية إذا لم يستيقظ العالم من سبات طويل. ولا يقتصر الأمر على أفريقيا وأميركا الجنوبية وأجزاء من آسيا، لكنه وصل إلى أوروبا مع بدء الحرب الروسية - الأوكرانية التي أدت إلى نزوح نحو عشرة ملايين أوكراني من بلادهم إلى دول مجاورة في ظروف قاسية ومحزنة. وقد ظهر إلى الوجود مرض فتاك اسمه «حمّى الضَّنك» أي الفقر المدقع في آسيا وأفريقيا وأجزاء من أوروبا وصلتها نيران الحرب الأوكرانية المفزعة والفيضانات المدمرة والأمطار الغزيرة.
وفي الدرجة الأولى يؤدي ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى زيادة نسبة تبخر المياه من المحيطات والأنهار، ما يدفع كميات أكبر من المياه إلى الغلاف الجوي.
من الكوارث المهمة التي تداولها المهتمون بقضية المناخ مشكلة ذوبان الأنهار الجليدية في النمسا مثلاً، وهي تتحدث عن عالِم الجليد أندريا فيشر الذي تملّكه الخوف من ضياع ما يسميه «البيانات العلمية الثمينة» دون رجعة بسبب ذوبان الجليد والثلج بشكل أسرع من أي وقت مضى في نهر «جامتال» الجليدي في النمسا. ونقلت وكالة سكاي نيوز عن العالِم وهو يكاد أن يبكي، قوله «إن أرشيفنا من الأنهار الجليدية والصخور يذوب».
لقد أمضى هذا العالِم المتخصص بالجليد الجبلي والنهري، أكثر من عشرين عاماً في الأكاديمية النمساوية للعلوم مَسحَ خلالها خمسة أنهار جليدية في جبال الألب، وتسلّق أعلى قمم النمسا بحثاً عن أقدم مناطق الألب. وبالنسبة للعلماء الذين يتطلعون إلى إعادة بناء تصورات حول مناخ الأرض من الماضي البعيد إلى اليوم، فإن مثل هذه التكوينات الجليدية هي «كبسولة» زمنية فريدة تمتد إلى آلاف السنين، تقدم خلاصة نادرة لتاريخ المناخ الذي نجهله.
المشكلة ليست محصورة بنهر واحد، وإنما في 4000 نهر جليدي في جبال الألب، وهي من أقوى علامات الاحتباس الحراري في الأرض. في هذه السلسلة الجبلية الشاهقة رفع أحد النوادي المتخصصة لوحة تحمل عبارة «وداعاً يا جبال الألب».
8:2 دقيقه
TT
هل نستطيع حماية المناخ من المناخ؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة