د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

قمة المناخ... ومشكلة التمويل

يمتلك العلماء المهتمون بموضوع المناخ أدوات تراقب وتتتبع مصادر غازات التلوث، وبالتالي لديهم القدرة على تحديد أكبر الدول الملوثة للبيئة في العالم. ووفقاً للإحصاءات الدولية والبحوث المنشورة في الدوريات العالمية العلمية المحكمة، فإن أميركا والصين والاتحاد الأوروبي والهند هي المسؤولة عن أكثر من 60 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. وفي هذا السياق، نجحت قمة مؤتمر الأطراف للاتفاقية المناخية للأمم المتحدة (كوب27) في إدراج مناقشة تمويل «الخسائر والأضرار» المناخية على جدول الأعمال؛ إذ إن هذه الخطوة التي وصفت بـالاختراق، على الرغم من أنها مجرد بداية لمفاوضات معقدة، ستطرح خلالها أسئلة صعبة، سيحدد إجاباتها مسار التقدم في هذا الملف، خصوصاً أن المناقشات السابقة لقضايا التمويل تركزت دائماً على تمويل التكيف المناخي عن طريق تمكين الدول التي تأثرت من تغير المناخ من التعامل مع تداعياته.
وإذا كان من المتوقع أن تتوصّل القمة إلى تفاهم على زيادة حصة تدابير التكيُّف، أي الاستعداد لمواجهة آثار التغيُّرات المناخية، مقارنة بالأموال المخصصة لخفض الانبعاثات، فالمرجح ألا تتجاوز حدود الاتفاق إعادة توزيع الحصص ضمن الميزانيات المدرجة على جدول أعمال القمة «كوب27» وزيادة المساهمات المالية لتمويل العمل المناخي، إلى جانب مراجعة تعهدات التمويل في قمة غلاسكو 2021؛ إذ على جدول أعمال قمة شرم الشيخ زيادة مستوى الأهداف الوطنية بما يحقق خفضاً أكبر وأسرع للانبعاثات حتى سنة 2030، والسبب يعود إلى أنّ التعهدات الطوعية، حتى في حال تنفيذها بالكامل، ستؤدي إلى ارتفاع معدلات الحرارة درجتين ونصف الدرجة، بينما المطلوب إبقاؤها تحت الدرجة والنصف، لتجنُّب كوارث لا يمكن التعامل معها بسهولة مستقبلاً عند حدوثها.
قد لا تحقق قمة شرم الشيخ كل أهدافها التي كانت منتظَرة منها، لكن يمكنها التأكيد على جملة من المبادئ الأساسية، في طليعتها حتمية الحفاظ على الحدّ الأدنى من التعاون الدولي في قضايا المناخ. وإذا كان من غير المتيسّر حالياً تحقيق الزيادة المطلوبة في حجم التمويل المناخي، يمكن للقمة، في الحدّ الأدنى الممكن، الاتفاق على سلسلة من الإجراءات لإعادة توزيع التمويل المتوفّر على نحو أكثر فاعلية، بما يخدم العمل المناخي، سواء لتخفيف الانبعاثات أو التكيُّف مع المتغيّرات؛ إذ إنه على الدول الصناعية ومؤسسات التمويل الدولية أن تتعهد في القمة بتحويل الجزء الأكبر من برامجها لدعم المشروعات والبرامج المتوافقة مع الأهداف المناخية، حتى وإنْ لم تتمكّن من زيادة ميزانياتها بالمستوى المطلوب.
ومن الجدير بالإشارة، أن الهدف الأهم لقمة «كوب26» في غلاسكو، كان ينصب على التركيز في عملية تخفيف آثار الجائحة وإدماج القطاع الخاص في التنمية، من أجل أن تتمكن الحكومات والشركات من المشاركة مجتمعة في بلوغ أهداف اتفاقية المناخ؛ إذ تركز على تقييم تنفيذ الالتزامات، إضافة إلى مزيد من الاهتمام بالقارة الأفريقية ودعمها وتخفيف حدة تضررها من التغير المناخي العالمي؛ إذ إن الهدف الرئيسي هو أن تتحول إلى قمة أفعال لا أقوال، والدعوة إلى الالتزام بعلاج الأزمات عبر خلق آليات جديدة للتمويل طويل الأجل وبشروط ميسرة للدول - خاصة الأكثر احتياجاً - وذلك من أجل الإيفاء بمتطلبات التحول الأخضر؛ إذ إن الاقتصادات الكبرى قد تجد صعوبات في الوفاء بالتزاماتها المناخية تجاه الدول النامية نتيجة الضغوط الاقتصادية المحلية والتضخم العالمي غير المسبوق، علماً بأن الاقتصاديات الأكبر عالمياً، وهي: الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، تعاني تراجعاً في النمو.
لا تزال الدول الملوثة للبيئة في العالم بعيدة تماماً عن الوفاء بوعودها بشأن تمويل المبادرات المناخية حول العالم رغم استثماراتها المحلية الضخمة في الطاقة النظيفة؛ إذ أخفقت هذه الدول في تقديم الضروري المطلوب الذي وعدت به منذ فترة طويلة لمساعدة الدول النامية على تبني الطاقة الخضراء والتكيف مع العواصف الشديدة وموجات الحرارة الحارقة، والحد من الجفاف الذي تسبب في تفاقم المشكلة، إذ أخفقت الدول الغنية، حتى الآن، في الوفاء بوعودها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لتمويل المناخ، والذي كان من المفترض أن يبدأ تدفقه في عام 2020.
وفي الختام، لعل أهم المعوقات التي تواجه التمويل هي عدم القدرة على الوصول إلى التمويل، إذا توفر أساساً... وذلك بسبب كون الدول الكبرى الممولة لديها التزامات مختلفة أكثر أهمية (من وجهة نظرها) من تمويل التزامات قمة المناخ؛ ولذلك هي تقدم التزامات بالتمويل ولكنها لا تلتزم بذلك، وهذه مشكلة كبيرة تواجهها الدول النامية.