د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

الاستثمار في سلاسل الإمداد

استناداً إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021، سجّلت السعودية نسبة إنفاق استثماري للناتج المحلي الإجمالي بلغت 23.6%، ثم الإمارات 19.4%، تليها مصر بمقدار 12.2%، مقارنةً مع ماليزيا 22.3%، وذلك استناداً إلى بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي 2021، حيث تسهم سلاسة وانسيابية سلاسل الإمداد في زيادة حجم تدفقات حجم الاستثمار، إذ تعمل السعودية على استكمال الإصلاحات التنظيمية والإجرائية في شتى الجوانب التي ستسهم بدورها في مواصلة تحسين بيئة الاستثمار وزيادة جاذبيتها وتنافسيتها، لجعل الاستثمار الركيزة الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي وتنويع القاعدة الإنتاجية في السعودية، وسيتم تطوير استراتيجية موحدة لاستقطاب سلاسل الإمداد العالمية وجذب استثمارات نوعية وصناعية وخدمية.
إن سلاسل الإمداد لها دور مهم، بدءاً من أول منتج أو خدمة تم إنشاؤها وبيعها. ومع ظهور مجال التصنيع، أصبحت أنظمة إدارة سلسلة الإمداد أكثر تطوراً، مما أتاح للشركات أن تصبح أكثر كفاءة في إنتاج وتسليم البضائع والخدمات. وبمرور الوقت، أدخلت التغييرات مستويات من التطوّر إلى أنظمة إدارة سلسلة الإمداد، إذ ظلت أنظمة إدارة سلسلة الإمداد تتم إدارتها بواسطة المتخصصين في سلاسل الإمداد. وفي السعودية، على الرغم من أن أنظمة إدارة سلسلة الإمداد كانت دائماً بمثابة مؤسسة أساسية، فإنها تمارس دوراً حيوياً أكثر من أي وقت مضى كمؤشر على نجاح الأعمال، إذ تعد الشركات القادرة على إدارة سلسلة الإمداد بشكل فعّال أكثر تكيّفاً مع بيئة الأعمال، ومستندةً إلى التكنولوجيا التي تحافظ على استمراريتها وازدهارها.
وأُطلق مفهوم الصناعة 4.0 أو الثورة الصناعية الرابعة، على التقنيات الجديدة التي يتم استخدامها في مجال التصنيع في هذا التوجه الجديد، إذ تعمل تقنيات مثل الذكاء الصناعي والتعلّم الآلي والتقنية والأتمتة والمستشعرات على تغيير الطريقة التي تقوم بها الشركات بتصنيع المنتجات والخدمات الجديدة والمحافظة عليها وتوزيعها. ويمكن القول إن توجه الصناعة مبنيٌّ على سلسلة الإمداد، إذ تختلف طريقة استخدام الشركات للتقنيات في مجال سلسلة الإمداد بشكل أساسي، والآن غيّرت التكنولوجيا الذكية من هذا النهج، حيث يمكننا الآن التنبؤ بأي مشكلة قبل حدوثها، ومن ثم اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع حدوثها حتى تتمكن سلسلة الإمداد من الاستمرار في عملها دون انقطاع.
أطلقت السعودية مبادرةً لسلاسل الإمداد العالمية مستهدفةً حزمة الاستثمارات النوعية والصناعية والخدمية في سلاسل الإمداد العالمية، التي تستهدف تعزيز موقعها كمركز رئيسي وحلقة وصل حيوية في سلاسل الإمداد. إن هذه المبادرة ستكون فرصة كبيرة لتحقيق نجاحات مشتركة، فهي من جهة ستسهم مع غيرها من المبادرات التنموية التي تم إطلاقها في تمكين المستثمرين على اختلاف قطاعاتهم من الاستفادة من الموارد وقدراتها لدعم وتنمية هذه السلاسل وبناء استثمارات ناجحة، إذ إن هذا الأمر سيعطي مرونة أكبر للاقتصادات والمستهلكين في جميع أنحاء العالم ويضمن توفير واستدامة وصول سلاسل الإمداد إلى كل أنحاء العالم بفاعلية ومزايا تنافسية عالية. إن المبادرة تستهدف تحقيق طموحات وتطلعات رؤيتها التي تشمل تنمية وتنويع موارد الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانتها الاقتصادية لتصبح ضمن أكبر 15 اقتصاداً عالمياً بحلول عام 2030.
تهدف المبادرة إلى جعل السعودية بيئة استثمارية مناسبة لجميع المستثمرين في مجال سلاسل الإمداد من خلال خطوات عدة، من أبرزها حصر وتطوير الفرص الاستثمارية وعرضها على المستثمرين وإنشاء عدد من المناطق الاقتصادية الخاصة التي يمكن من خلالها إيجاد بيئة جاذبة للاستثمارات، كما تعمل على استكمال الإصلاحات التنظيمية والإجرائية في كل الجوانب التي ستسهم بدورها في مواصلة تحسين بيئة الاستثمار وزيادة جاذبيتها وتنافسيتها لجعل الاستثمار الركيزة الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي وتنويع القاعدة الإنتاجية في ظل مستهدفات «رؤية 2030».
إن إطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية، كإحدى مبادرات الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، يأتي في إطار سعي السعودية الدائم للإسهام في تعزيز استقرار ونمو الاقتصاد العالمي، إذ تمتاز السعودية بالمستوى التنافسي لتكاليف مقومات الإنتاج الرئيسية مثل الكهرباء والغاز الطبيعي والعمالة، علاوة على توفر البنية التحتية الممتازة من الخدمات العامة كشبكات المياه والكهرباء والاتصالات، والبنية التحتية المتكاملة وعالية الكفاءة في مجال النقل والخدمات اللوجيستية، التي تشمل منظومة من المدن الصناعية، ومناطق اقتصادية خاصة، وشبكات من المطارات والموانئ، مع خطط طموحة لتوسعتها، من خلال الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، كما أن لديها خطوات رائدة في تطوير وتطبيق تقنيات احتجاز الكربون، والذي يدعم المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد في أحد محاورها الرئيسية لجذب فرص الاستثمار الأخضر مثل تصنيع المعادن الخضراء باستخدام الهيدروجين الأخضر، وتصنيع أجهزة إنتاج الهيدروجين بالتحليل الكهربائي، والصناعات المتقدمة للتدوير وغيرها.
وفي الختام لا بد أن نشير إلى أن مناخ الاستثمار يمارس دوراً محورياً في تعزيز كفاءة سلاسل الإمداد واستقطاب المزيد من الاستثمارات.