كانت تايلور سويفت بالغة الرومانسية عندما ظهرت على الساحة في عام 2006 فقد غنت عن نشوة حب الشباب وعن حسرة القلب، لكن مزاجها تغير مع بزوغ نجمها. وها هو ألبومها الجديد الرائع «ميدنايتس»، أو منتصف الليل، يتضمن سلسلة من المشاعر السلبية المتعلقة بالقلق، والأرق، والإرهاق، والغضب أحياناً. وذات مرة غنت تقول: «أنا لا ألبس ليراني النساء، ولا ألبس ليراني الرجال. ومؤخراً ارتديت الملابس للانتقام».
اتضح أن سويفت لم تكن سوى جزء من اتجاه أكبر حيث قام الباحثون شارلوت براند، وألبرتو أكيربي، وأليكس ميسودي بتحليل أكثر من 150 ألف أغنية بوب صدرت بين عامي 1965 و2015 خلال تلك الفترة، تراجع ظهور كلمة «حب» في أفضل 100 أغنية إلى النصف تقريباً. وفي غضون ذلك، ارتفع عدد المرات التي احتوت فيها مثل هذه الأغاني على كلمات ذات مشاعر سلبية، مثل «الكراهية» بشكل حاد.
موسيقى البوب ليست الشيء الوحيد الذي بات أكثر قسوة. فقد قام ديفيد روزادو، وروث هيوز، وجامين هالبرشتات بتحليل 23 مليون عنوان صحافي نُشر بين عامي 2000 و2019 من خلال 47 وسيلة إعلامية ذائعة الصيت في الولايات المتحدة. حتى العناوين الرئيسية أصبحت أيضاً سلبية بشكل ملحوظ، حيث تشير نسبة أكبر من العناوين الرئيسية إلى الغضب، والخوف، والاشمئزاز، والحزن. وأصبحت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام ذات الميول اليسارية أكثر سلبية، وأصبحت العناوين الرئيسية في المنشورات ذات الميول اليمينية أكثر سلبية أيضاً.
السلبية في الثقافة تعكس أيضاً السلبية في الحياة الواقعية. فقد طلب مسح اجتماعي عام من الناس تقييم مستويات سعادتهم، بين عامي 1990 و2018، زادت نسبة الأميركيين الذين صنفوا أنفسهم ضمن الفئة الدنيا للسعادة بأكثر من 50 بالمائة. الغريب أن ذلك كله كان قبل تفشي الوباء.
الأخبار السيئة حقا تأتي من الخارج. ففي كل عام، تقوم مؤسسة ««غالوب» باستطلاع آراء ما يقرب من 150000 شخص في أكثر من 140 دولة حول حياتهم العاطفية. وسجلت تجارب المشاعر السلبية - المتعلقة بالتوتر، والحزن، والغضب، والقلق، والألم الجسدي - مستوى قياسياً في العام الماضي.
تطلب «غالوب» من الأشخاص في هذا الاستطلاع تقييم حياتهم على مقياس من صفر إلى 10، حيث يعني الصفر أنك تعيش أسوأ حياة ممكنة، ويعني 10 أنك تعيش أفضل ما لديك. قبل 16 عاما، صنف 1.6 بالمائة فقط من الناس في جميع أنحاء العالم حياتهم على أنها صفر. واعتبارا من العام الماضي، تضاعفت نسبة الأشخاص الذين أبلغوا عن أسوأ حياة ممكنة بأكثر من 4 أضعاف، ما يعني أن أتعس الناس باتوا أكثر تعاسة. في عام 2006، أعطى الخمس الأدنى من السكان أنفسهم متوسط درجة 2.5، وبعد 15 عاما، انخفض متوسط الدرجة في الخمس الأدنى إلى 1.2.
في مقابلة مع جون كليفتون، المدير التنفيذي لمؤسسة «غالوب»، أخبرني أنه في عام 2021، أعطى 21 بالمائة من الناس في الهند أنفسهم تصنيفا صفريا. وقال إن المشاعر السلبية تتصاعد في الهند، والصين، والبرازيل، والمكسيك وغيرها من الدول. كذلك بات كثير من الناس بائسين جداً في العمل. ففي أحدث استطلاع، وجدت المؤسسة أن 20 في المائة من جميع الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع يزدهرون في العمل، و62 بالمائة غير مبالين بالوظيفة، و18 في المائة بائسون.
يكمن جزء من المشكلة في تدهور المجتمع حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن ما يقرب من ملياري شخص غير سعداء بالمكان الذي يعيشون فيه، وأنهم لن يوصوا صديقا بالحياة في مجتمعهم. وهذا صحيح بشكل خاص في الصين والهند.
يكمن جانب من المشكلة في الجوع. في عام 2014، واجه 22.6 في المائة من سكان العالم حالة معتدلة أو شديدة من انعدام الأمن الغذائي. وبحلول عام 2020، كان 30.4 بالمائة من العالم قد عانوا من ذلك.
ويكمن جزء من المشكلة في زيادة البؤس الجسدي. ففي عام 2006، أفاد 30 بالمائة من الأشخاص الذين صنفوا حياتهم على أنها الأسوأ بأنهم يعانون من آلام يومية. ففي العام الماضي، قال 45 بالمائة من هؤلاء الأشخاص إنهم يتعايشون مع ألم يومي. وقبل الوباء، زادت تجربة التعايش مع الألم في جميع الفئات العمرية.
في الحقيقة، لقد تفاجأت كثيراً بهذه الأرقام. فقد أصبحت أماكن مثل الصين والهند أكثر ثراء. لكن التنمية لا تؤدي بالضرورة إلى مكاسب في الرفاهية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التنمية غالباً ما تكون مصحوبة بتفاوت طبقي متزايد. وهذه واحدة من النقاط الأساسية التي ذكرها كليفتون في كتابه «النقطة العمياء... الصعود العالمي للتعاسة وكيف أضاعها القادة». فنحن نستخدم بشكل تقليدي مصطلح «إجمالي الناتج المحلي» وغيره من المصطلحات المادية لتقييم أداء الدول، لكن غالباً ما تكون هذه مقاييس معيبة للغاية لكيفية عَيش الأشخاص الفعليين لحياتهم.
البؤس يؤثر على السياسة، ولجيمس كارفيل عبارته الشهيرة: «إنه الاقتصاد، يا غبي»، لكن هذا تفكير ضيق للغاية، لأن ما يحدد مقدار السعادة هو الازدهار البشري، والتماسك المجتمعي، والشعور بالاحترام، والتواصل الاجتماعي. وقد جادل جورج وارد الباحث بـ«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» بأن المقاييس الذاتية للرفاهية هي أكثر قدرة على التنبؤ ببعض نتائج الانتخابات مقارنة بالتدابير الاقتصادية، والدليل على ذلك تراجع الرفاهية في بريطانيا قبل التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكانت مناطق الولايات المتحدة التي شهدت أكبر مكاسب في التصويت للجمهوريين لمنصب الرئيس بين انتخابات 2012 وانتخاب دونالد ترمب في عام 2016، هي المناطق ذاتها التي صنف فيها الناس حياتهم على أنها الأسوأ.
إذا استمرت مستويات البؤس في الارتفاع، فما الذي يمكن أن نتوقعه في المستقبل؟ أولا، علينا أن نتوقع ارتفاع مستويات الشعبوية، ثانيا، علينا أن تتوقع اضطرابات مدنية أكبر في جميع المجالات. وأشار كليفتون إلى أنه وفقاً لـ«مؤشر السلام العالمي»، فقد تفاقم السخط المدني؛ أعمال الشغب والإضرابات والمظاهرات المناهضة للحكومة، بنسبة 244 بالمائة من عام 2011 إلى عام 2019.
نحن نعيش في عالم يتسع فيه التفاوت العاطفي. أعلى 20 بالمائة من سكان العالم يشهدون أعلى مستوى من السعادة والرفاهية منذ أن بدأت «غالوب» في قياس هذه الأشياء. وتعاني شريحة 20 بالمائة الأدنى من الأسوأ، وهو وضع غير عادل وغير مستقر. ولذلك فإن الصحة العاطفية للعالم تتهاوى.
* خدمة «نيويورك تايمز»