مورين دوود
TT

دروس لحزب المحافظين البريطاني

لا تستسلم أبداً، لا تستسلم أبداً، أبداً، أبداً، أبداً... كان هذا شعار وينستون تشرشل الشهير. من جهتها، لم تتمكن ليز تراس، وهي رئيسة وزراء أخرى من حزب المحافظين كانت تحاول قيادة بريطانيا متصدعة، من اتباع هذه النصيحة. واللافت أن استسلامها وسقوطها جاء سريعاً للغاية.
لم تتولَّ تراس مهام منصبها سوى خلال 44 يوماً فقط قبل أن تتقدم باستقالتها، لدرجة أنه حتى العاصفة السياسية في مواجهتها لم يتسنَّ لها الوقت الكافي كي تحتشد وتجمع قواها. واليوم، أصبحت صورة الملكة إليزابيث وهي تصافح تراس في قلعة بالمورال لدى تولي الأخيرة منصب رئيسة الحكومة، ملحمية في رمزيتها.
في هذه الصورة، تلتقي الملكة صاحبة فترة الحكم الأطول مع رئيسة الوزراء صاحبة فترة الولاية الأقصر. وجاء سقوط تراس سريعاً لدرجة أنها نالت تصديق ملكة وقدمت استقالتها لملك.
في سنوات سابقة، ربما كنت لأشعر بالخجل إزاء إقدام امرأة على التضحية بنفسها بهذه السرعة.
عندما توليت تغطية ترشح غيرالدين فيرارو لمنصب نائب الرئيس ومنافسة هيلاري كلينتون على الرئاسة، بدا الأمر كما لو أن مصيرهما مرتبط بقضية النوع أو الجندر؛ بمعنى أنه إذا أخفقتا، حسبما أخبرتني الكثير من النساء خلال مقابلات أجريتها معهن، فإن هذا الأمر سيبدو وكأنه صفعة لمجمل نوع النساء. وقلن: إذا لم تفز مثل هذه الشخصيات، فهل ثمة إمكانية لأن تنجح أي امرأة أخرى؟
ومع ذلك، فإنه عندما تكشف للعيان افتقار سارة بالين للكفاءة على نحو هزلي عام 2008، فإن هذا لم ينعكس بشكل سيئ على النساء بوجه عام. وكانت هذه خطوة مهمة للمرأة.
من ناحيتها، اتخذت تراس هذه الخطوة في بريطانيا: يعتبر الكثيرون أن ثالث سيدة تسكن داونينغ ستريت تفتقر إلى الكفاءة على نحو يثير شعوراً باليأس، بل ربما تكون أسوأ رئيس وزراء في تاريخ البلاد.
اتسمت تراس بقدرات رديئة على صعيد التواصل، بجانب كونها متحدثة ضعيفة وذات أداء ضعيف أمام الكاميرا. ولم تستوعب فكرة أنه ببساطة ليس بإمكان المرء الاقتراض من المستقبل. وتمكنت من أن تتبع آيديولوجية راديكالية وتبدو خفيفة الوزن في الوقت ذاته. إلا أن أحداً لا يظن أنها أخفقت لكونها امرأة.
وقد اتضح أنها كانت بمثابة دمية في يد بوريس جونسون، الذي كان دونما شك يخطط للتعرف على ما إذا كان بمقدوره استعادة زمام الأمور في يده.
من ناحيته، توقع غافين بارويل، رئيس فريق العاملين المعاون لتيريزا ماي عندما كانت رئيسة للوزراء، أن جونسون، الذي ظل يحاول لسنوات تأليف كتاب عن شكسبير، سيطارد تراس كما لو كان شبحاً.
وأضاف في تصريحات لصحيفة «ذي تايمز مارك لاندلر» أنه «في اللحظة التي تجد نفسها في مشكلة سياسية، سنجد تحركات لإعادة بوريس».
وفي حديث دار بيننا، قال هنري بورتر، كاتب بريطاني: «إنه أمر مضحك للغاية إذا لم تكن إنجليزياً، وهو أمر مهين إذا كنت كذلك. إن بوريس أشبه ببوريس كارلوف، الوحش الذي عاد إلى الحياة مرة أخرى، بعد أن ظننت أنه دفن».
من ناحية أخرى، يعتقد الكثيرون أن جونسون خطط لهذا منذ البداية؛ ذلك أنه من خلال دعم تراس، تمكن من هزيمة ريشي سوناك، الحليف الذي طعنه في ظهره، على نحو يشبه ما حدث مع يوليوس قيصر. ووقف جونسون داعماً لتراس، لإدراكه أن أداءها سيكون متواضعاً لدرجة ستجعله يبدو بارعاً بالمقارنة بها.
وتماماً مثل دونالد ترمب، ربما يعتقد جونسون أنه إذا عاد إلى منصبه، فسيمكنه سحق التحقيق الجاري حول خداعه. جدير بالذكر أن جونسون متورط في تحقيق حول ما إذا كان قد ضلل البرلمان بشأن نشاطاته داخل داونينغ ستريت أثناء فترة الجائحة.
أما النتيجة، فجاءت ضبابية، مع مسارعة جونسون إلى العودة من إجازة في منطقة الكاريبي. في بعض تقديرات التصويت، كان سوناك متقدماً، لكن جونسون كان يحظى بالدعم هو الآخر. من ناحيته، قال جيمس دودريدج، عضو البرلمان، الذي يدعم جونسون، في تصريحات للصحافة البريطانية: «لقد كنت على اتصال بالرئيس عبر تطبيق (واتس آب)، وهو عائد جواً. لقد قال: سأعود جواً، وسنفعل ذلك. أنا قادر على مواجهة ذلك».
واليوم، يقف المشرعون المحافظون منقسمين على أنفسهم؛ ذلك أن نصفهم غاضبون من بوريس لأسباب أخلاقية، في الوقت الذي يخالج البقية القلق من أنه من دون مشاهد بوريس المثيرة، سيخسرون مقاعدهم في غضون عامين.
ويعتقد الكثير من المحافظين أنه في خضم ارتفاع فواتير الكهرباء ونقص الكهرباء وارتفاع معدلات التضخم، أن سوناك، الذي واجهت زوجته الثرية اتهامات بالتهرب من سداد 20 مليون جنيه كضرائب إلى أن انتقدتها الصحافة، سيقضي عليه حزب العمل في غضون عامين. وعليه، فإن الأمر يعتمد على ما إذا كانت المجموعة الساعية لضمان البقاء أكبر من المجموعة التي تشعر بالازدراء تجاه جونسون.
الواضح أن المحافظين البريطانيين أصبحوا لتحمل أي غضب للحفاظ على مناصبهم وامتيازاتهم الفخمة. ويبدو أن مبدأ «الرجل الصالح» في إنجلترا، وهو تقليد يفرض على المرء أحياناً ترك المنصب من أجل الصالح العام، قد أصبح في حكم الماضي.
من جهته، كتب بيتر أوبورن، الصحافي البريطاني، في هذه الصحيفة قريباً أنه «كان أحد أمجاد حزب المحافظين التقليدية استعداده لتقديم البلد قبل الحزب».
وقد أقر ونستون تشرشل هذا المعيار قبل تنحيه من منصب رئيس الوزراء عام 1955، وقال: «إن الواجب الأول لعضو البرلمان أن يفعل ما يراه من وجهة نظر مخلصة وغير منحازة، الصحيح والضروري لشرف وسلامة بريطانيا العظمى».
وأكد أوبورن أن «المحافظين اليوم، على النقيض من ذلك، يتمسكون بالسلطة من أجل السلطة»، وأن «عنادهم سيسفر بالتأكيد عن تدمير بريطانيا».
* خدمة «نيويورك تايمز»