روس دوثات
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

إخفاقات بايدن الثلاثة

إذا انتهى الأمر بالديمقراطيين إلى خسارة كل من مجلسي النواب والشيوخ، وهي نتيجة تبدو أكثر احتمالاً الآن مما كانت عليه قبل شهر، فلن تكون هذه النتيجة صادمة؛ وذلك بالنظر إلى أن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي يتكبد دائماً تقريباً خسائر خلال فترة التجديد النصفي. الملاحظ أن الديمقراطيين دخلوا عام 2022 بأغلبية ضئيلة وخريطة لمجلس الشيوخ غير مواتية، في الوقت الذي يجابه فيه العالم الغربي بأسره أزمة طاقة مدفوعة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، تخلف آثاراً قاسية بشكل عام على الأحزاب الحالية، ليبرالية كانت أم محافظة... (فقط اسأل المسكينة ليز تراس).
إلا أن استغلال هذه الأوضاع كذريعة لنيل البراءة لن يفيد إدارة بايدن كثيراً. ويبدو في حكم المحتوم أن بعض السباقات ستجري تسويتها على الهامش، وكذلك مسألة السيطرة على مجلس الشيوخ. وعلى الهامش أيضاً، هناك دوماً شيء كان يمكن للرئيس القيام به بشكل مختلف لتحقيق نتائج سياسية أفضل.
ولا تعد حالة الرئيس بايدن استثناءً. والواضح أن أعباء انتخابات التجديد النصفي كانت أثقل على الديمقراطيين مما كانوا بحاجة إليه بسبب ثلاثة إخفاقات واضحة، وثلاثة مسارات محددة أقرها البيت الأبيض.
بدأ المسار الكارثي الأول، مثلما أشار ماثيو كونتينيتي في وقت قريب بمقال نشره في «واشنطن فري بيكون»، خلال الأيام الأولى من عمر الإدارة الحالية، عندما اتخذ بايدن قرارات حاسمة بشأن قضايا تخص الطاقة والهجرة طالب بها نشطاء حزبه. وفيما يتعلق بالنشطاء المعنيين بحماية البيئة، تعلق الأمر بإقرار وقف عقود الإيجارات الجديدة المرتبطة بالنفط والغاز الطبيعي على الأراضي العامة. أما فيما يتعلق بالمعنيين بقضية الهجرة، ارتبط المسار الجديد بتراجع جزئي عن سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب الرئيسية المتعلقة بالحدود.
وتبع ذلك اندلاع أزمة على كلا الصعيدين: في البداية موجة من الهجرة إلى الحدود الجنوبية، ثم ارتفاع أسعار الغاز بسبب اجتياح فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
وثمة جدل لا نهاية له حول مدى إسهام القرارات الأولية التي اتخذها بايدن في الأزمتين التوأمين. ويبدو الرهان المعقول هنا أن تحركاته المتعلقة بالهجرة ساعدت في إلهام موجة الهجرة، بينما ستؤثر سياسته الخاصة بالتأجير والنفط على سعر الغاز عام 2024، لكنها لم تغير الكثير في الأزمة الحالية.
إلا أن الأمر المحوري هنا أن كلا التحولين في السياسات المتبعة شكل هذه الأزمات، لكن عن غير قصد. وبعد ذلك، نجد أنه بدلاً من بذل محاولات دراماتيكية لإعادة صياغة السياسات المحلية تجاه الطاقة والحدود، أخفق البيت الأبيض بقيادة بايدن وسعى للبحث عن إصلاحات مؤقتة، وأوكل ملف الحدود إلى نائبة الرئيس كمالا هاريس، وتحول نحو الاعتماد على الاحتياطي الاستراتيجي من النفط، الأمر الذي أكد اعتقاد الرأي العام المتحيز أنه إذا كنت تريد حزباً يتعامل بجدية مع إنفاذ قوانين الهجرة وإنتاج النفط، فعليك بالتصويت لصالح الجمهوريين.
ويرجع الإخفاق الرئيسي الثاني هو أيضاً إلى الأيام الأولى للإدارة. ففي فبراير (شباط) 2021، عندما كان الديمقراطيون داخل الكونغرس يعدون حافزاً بقيمة 1.9 تريليون دولار، قدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين مقترحاً مقابلاً بقيمة تقارب 600 مليار دولار. وانطلاقاً من شعوره بدفقة من الثقة المفرطة، رفض البيت الأبيض العرض وضخ ثلاثة أضعاف هذا في الاقتصاد.
ما تلا ذلك كان ما توقعه عدد قليل من الاقتصاديين المعارضين من يسار الوسط، بقيادة لاري سمرز: أسوأ تسارع في معدلات التضخم منذ عقود، والذي تفاقم بشكل شبه مؤكد بسبب الحجم الهائل لمشروع قانون دعم الاقتصاد. ولو أن بايدن قد أخذ مقترح الجمهوريين في الاعتبار أو حتى ببساطة قدم مقترحاً مضاداً ودخل في مفاوضات معهم، كان سيتمكن حينها من بدء عمله على أساس التعاون بين الحزبين مثلما وعد أثناء حملته الانتخابية، وكان ذلك سيعينه على التحوط من المخاطر التضخمية التي ضربت البلاد نهاية الأمر.
وتمثل الإخفاق الثالث في الفشل في التحوط، لكن هذه المرة على الصعيد الثقافي، وليس الاقتصادي. في الواقع، تركز جزء من جاذبية بايدن كمرشح في سجله الطويل كسياسي صاحب توجهات اجتماعية معتدلة ـ كان ينتمي إلى مدرسة كاثوليكية قديمة تنتمي ليسار الوسط، ولم يكن متحمساً تجاه التوجهات التقدمية.
وشهدت رئاسته فرصاً متعددة لاتخاذ مواقف معتدلة بالفعل؛ مثلاً، فيما يتعلق بقضايا المتحولين جنسياً، أتاحت مخاوف الدول الأوروبية المتزايدة بشأن حاصرات سن البلوغ غطاءً محتملاً لبايدن للمطالبة بمزيد من الحذر حول استخدام التدخلات الطبية فيما يخص المراهقين المصابين باضطراب النوع الاجتماعي. إلا أنه بدلاً من ذلك، اختار البيت الأبيض أن ينكر وجود أي نقاش حقيقي حول الأمر، ووضع الإدارة على يسار السويد بخصوص هذه القضية.
بجانب ذلك، نجد قرار النائب دويس الذي افتقر إلى الشعبية بخصوص قضية الإجهاض، وكان يمكن أن تتحول القضية إلى عامل سياسي داعم للديمقراطيين لو أنهم نجحوا في طرح أنفسهم كصوت معتدل مقابل الجمهوريين المتشددين.
كان باستطاعة بايدن قيادة هذه الجهود باعتبار أنها تمثل الإجماع الوطني الطبيعي، لكنه بدلاً من ذلك ترك النشطاء الديمقراطيين المنتمين لليسار والذين تمسكوا بعدم فرض أي قيود على الإطلاق ـ موقف يفتقر إلى الشعبية.
والتساؤل الذي يفرض نفسه فيما يخص هذه الحالة، وإلى حد ما جميع القضايا السابقة، يدور حول ما إذا كان بايدن ليتمكن من الحفاظ على وحدة معسكره إذا ما اتبع توجهات أكثر اعتدالاً، أم لا.
إن الرئيس القوي ينبغي أن تكون لديه القدرة على جذب حزبه نحو الوسط عندما تتطلب السياسة ذلك. وعليه، فإنه إذا شعر بايدن بأنه عاجز عن فعل ذلك، فإن هذا يوحي بأنه قبل مقدماً ما ينتظر الديمقراطيين الشهر المقبل: الهزيمة.
* خدمة «نيويورك تايمز»