د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

صُنِعَ في جزيرة العرب

عندما يتحرك ملك الغابة (الأسد) تشرئب له أعناق الكائنات الحية. وعندما تتحرك كبريات الشركات تحاول الصغرى اللحاق بركبها. وعندما تتجه الدول الكبرى نحو الصناعة تفرح شقيقاتها الصغرى، لأن سوقاً هائلاً قد فُتِحَ. قبل أيام أعلنت شقيقتنا الكبرى السعودية على لسان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، عن الاستراتيجية الوطنية للصناعة، حيث تهدف إلى «تحقيق اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار، يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية»، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية.
تحرك العملاق السعودي، وقرر مضاعفة عدد مصانعه من نحو 10 آلاف حالياً إلى ما يقارب 36 ألف مصنع بحلول عام 2035، وسوف تضاعف البلاد ناتجها المحلي الصناعي بثلاثة أضعاف، وتعتزم تصنيع 150 ألف سيارة «لوسد» سنوياً. لا أستبعد ذلك فبمجرد إطلاق «رؤية 2030» تضاعفت في السعودية أعداد المصانع بنسبة 50 في المائة. فرأس المال «جبان» لا يسعى وراء الفرص إلا عندما يرى توجهاً جاداً في دعم القطاع الصناعي.
قوة الصناعة أنها تحرك المياه الراكدة في قطاعات عدة. فعندما تنمو الصناعة يكبر معها قطاع النقل، والتكنولوجيا، والتعليم والتدريب، والتسويق والمبيعات، والتجزئة والمهن الحرفية، وتنحسر مع الصناعة البطالة وينمو بها الاقتصاد، وتُخلق فرص عمل، ووجهات استثمارية جديدة، ويتأهل من خلالها الجيل الحالي للحقبة التالية بمهارات مختلفة تماماً. وهذا ما تحتاجه جزيرة العرب بشتى أقطارها.
ويجب ألا تكون «كل» مقومات الصناعة موجودة، فالسويسريون تشكل صناعة الكاكاو لديهم نسبة كبيرة من الناتج المحلي الصناعي، غير أنهم يجلبونه كمادة خام من أقاصي أفريقيا. وتجلب ألمانيا الحديد من الهند وغيرها لتتربع على عرش أكبر الدول الأوروبية الصناعية التي ذاع صيتها في جودة المكائن. حيث توظف نحو ثلث القوى العاملة لديها في المصانع، وهي من أكثر البلدان توظيفاً في هذا القطاع. وتوظف بريطانيا نحو خمس القوى البشرية في قطاع الصناعة.
المصنع هو أيقونة الرفاهية في العصر الحديث. فعندما انطلق هدير مصانع بريطانيا بلغت ارتداداتها شتى بقاع العالم، بعد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر. وصار كل شيء مذهلاً من حولنا يخرج من قلب المصانع، إذا اختفت المعامل الصغيرة أمام طوفان التكنولوجيا. شخصياً أشعر برهبة وعظمة عندما ألج مصنعاً، لأنني أمام بقعة من الأرض ليست عالة عليها، بل هي رافد حقيقي للحياة العصرية. والأمم التي تنتج تستحق الاحترام والتقدير.
ولذلك قال مصطفى صادق الرافعي:
إن لم تزد على الحياة شيئاً، كنت أنت زائداً عليها.