د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

لا سني ولا شيعي أنا مسلم خليجي

لطالما ظللت على الدوام في مشاركاتي في مختلف المؤتمرات، سواء عن طريق تقديم أوراق بحثية أو مداخلات أعيد وأكرر وسأظل كذلك، أننا بمجرد أن نطلق عبارات مثل «سني»، «شيعي» وخلافه، فإننا نقدم هدية مجانية للمتربص والعدو الخارجي، وندعوه بعد أن أحدثنا بأنفسنا شرخا في مجتمعنا ليعيث في الأرض فسادًا موظفًا المذهبية والطائفية وفق رغباته وأهوائه.
إنني لا أقصد مما تقدم أنني ناكر لوجود التباين العرقي والديني والمذهبي في المجتمعات، فهذه سنة الله في خلقه، ولكن مثل هذا الفرز لا شك يدفع بالعامل الخارجي من أن يتحول في ظل التأجيج الطائفي، الذي ابتليت به منطقتنا منذ فترة ليست ببسيطة، من عنصر خامل إلى نشط.
ولما كانت هذه المقالة معنية بتناول الحالة الخليجية دون غيرها، فإننا نسير مع القارئ بعيدًا عن ذلك الفرز البغيض ونستعيض بمصطلح «مسلم خليجي»، مسلم أي بعيدًا عن مذاهب وطوائف فمن قال: «لا اله إلا الله دخل الجنة»، وكفى، وندع الخلق للخالق، ونقف بالمرصاد لمن يوظف المذهبية سواء لتجريح غيره أو الإضرار بوطنه. وخليجي أي أن انتماءه وحبه لوطنه يحتم في نهاية المطاف أن يأتي الوطن والذود عنه على ما سواه. وليبتعد المتصيدون في الماء العكر ويتوقفوا عن تحوير ما تقدم، واعتبار ما قلناه على أنه تغليب الوطن على الدين، فلا مزايدة على الدين، وأن هذا الأخير يؤكد على حب الوطن والدفاع عنه.
والسؤال المُلح هنا كيف يمكن تجاوز مثل ذلك الفرز وكيف يمكن استمرار حالة التعايش السلمي التي عُرفت به المجتمعات الخليجية ولا تزال؟
بداية نسير مع المسلم الخليجي لنرى ما هي أهم المهددات التي تواجه الدول والمجتمعات الخليجية وهي:
رغبات دول إقليمية في تحقيق نفوذها والتوظيف المذهبي لخدمة مصالحهم.
التنظيمات الإرهابية وما تحمله من فكر مكفر للمجتمعات بمختلف أطيافه.
وحين ننظر للمهدد الأول، فإننا لا يمكن أن نتحدث في العموميات دون ذكر تلك الدولة ونظامها تحديدًا، وأقصد هنا النظام الإيراني. وسواء اعترض هذا النظام على مصطلح «تدخل» واستعاض بها بشعارات متأصلة في مبادئ سياسته الخارجية من قبيل «دعم المستضعفين» أو «دعم الحركات التحررية»، أو «الوقوف إلى جانب شيعة العالم»، فإن جميع ما تقدم مؤداه أمر واحد أيها المسلم الخليجي، وهو الضرب بالأعراف الدولية المؤكدة على حسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون الدول عرض الحائط، والاستمرار في هذا النهج وفق مسوغات ومبررات تضفي عليها صبغة شرعية، يتلقفها البعض في المجتمعات الخليجية المسلمة، ويتبناها ليساهم بدوره في إحداث الشرخ داخل مجتمعه، ويدفع بالعنصر الخارجي ليكون عنصرا نشطا لتحقيق غايته حتى ولو كان على حساب نسيج ذلك المجتمع وترابطه.
وحين نقول هنا التوظيف المذهبي الذي يمارسه النظام الإيراني، فإننا لا ننكر على هذا الأخير إسلامه وفق المذهب الذي اختاره، ولكن الرسالة التي يجب أن يدركها المسلم الخليجي، هو أنه في الوقت الذي يتخذ هذا النظام من المذهب الشيعي شعارًا للدفاع عن بعض مسلمي الخليج، نراه قد وقف إلى جانب أرمينيا المسيحية في قضية «قره باغ» في مواجهة جمهورية أذربيجان المسلمة التي يشكل الشيعة الإثني عشرية فيها ما يقارب 85 في المائة من مجتمعها.
قِفْ وتمعنْ أيها المسلم الخليجي. فحين يردد هذا النظام شعارات مثل الإسلام المحمدي الخالص، والإسلامي الأميركي وكذلك المذهب الشيعي الأميركي، فإنه قد يقدح فيك وفي جارك وفي أبناء مجتمعك، الذين ظللت معهم وعشيرتك سنين طوالا. وطنيتك وحبك لوطنك لا يعارضه دينك الإسلامي أيها المسلم الخليجي، بل يؤكد عليه، والواجب عليك أن تدرك أن العامل الخارجي بات يُطلق على من يرتهنون لإمرته في بعض البلاد العربية بأنهم ينقادون من قبله، ويرى أنهم ضروريون للدفاع عن مصالحه بعيدًا عن حدوده.
وحين ننتقل مع المسلم الخليجي لنناقش خطر التنظيمات الإرهابية، فعليه أن يتأكد أن هذه التنظيمات لا دين لها حتى ولو تمسحت بالدين، وأنها لا تفرق بين مسلم وكافر، فكيف يمكن أن تفرق بين مختلف المذاهب. إن ما يقوم به هذا الفكر التكفيري حتى ولو حاول النظام الإيراني وصمه بالفكر التفكيري، فإن المسلم الخليجي المحب لوطنه يدرك أن هذا الفكر دخيل على مجتمعه المسلم، وأن دول الخليج قد عانت أكثر من غيرها من هذا الفكر بل وحاربته. وحين يحاول قادة الفكر التكفيري من «داعش» وأخواتها، محاولة الطعن في المذاهب وعقائدها، فعليك أن تدرك جيدًا أيها المسلم الخليجي أنها لم تثر ذلك الأمر رفعة لراية الدين، والذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما التوسل بتلك الأمور وتوظيفها خدمة لمصالحها.
إن تعاطف البعض بين ما يطرحه المهدد الأول أو المهدد الثاني ووجود من يتبنى تلك الأفكار، لا يعني بأي حال من الأحول تحميل الدين الإسلامي وزر هؤلاء. فالغلاة ومتطرفو الفكر تجدهم في كل دين وكل مذهب، وبالتالي فإنهم هم المحاسبون أولاً وأخيرًا عن فكرهم وانحرافه بعيدًا عن دينهم باختلاف مذاهبه.
لا شك أن الرسول الكريم هو قدوة المسلم الخليجي كما هو الحال لكل مسلم، وها هو صلى الله عليه وسلم يعطينا نموذجًا لذلك التعايش وحب الوطن. فقد تعايش عليه الصلاة والسلام مع يهود المدينة بغض النظر عن دينهم، وفقًا لقاعدة «لكم دينكم ولي دين» وظل الفاصل بين المسلمين واليهود هو الوطن (المدينة المنورة) والحفاظ على أمنه. وجاء طردهم منها وفقًا لإخلالهم بشرط أمن الوطن.
سيأتيك أخي المسلم الخليجي من يحاول إثارة بعض المتناقضات بين المذاهب، لتأليب المجتمع الخليجي على نفسه، وتأكد أنه لا يسعى إلا خدمة لمصالحه. من هنا يبرز دور الحكومات الخليجية والتي يتوجب أن تكون هناك قوانين واضحة تجرم ازدراء الأديان والمذاهب، وتمنع منعًا باتًا إثارة كل ما من شأنه إثارة النعرات على مختلف صورها، وأن تضع أشد العقوبات لمن يقوم بتلك الممارسات التي تؤثر على النسيج المجتمعي. وأن ترسل رسالة واضحة للمسلم الخليجي أنه لا فرق بين أبناء المجتمع الواحد، وأن المظلة الوطنية والحفاظ على أمن الوطن واستقراره هو الحد الفاصل بين المواطنين وأن لا مزايدة على الدين ولا يمكن وضع الوطن في كفة ميزان والدين في كفة الميزان الآخر.
وبدورك أيها المسلم الخليجي فعليك التأكيد على وطنيتك وأن تتبرأ من كل من يحاول استغلال دينك، وتكون رافضًا لحججه وإغوائه.
المهددات ستستمر ولن تتوقف، ولكن بيدنا نحن أن نجعلها إما عنصرا خاملا أو عنصرا نشطا. ولكي نحقق ذلك يتوجب تعزيز الدرع الواقي لمثل تلك المهددات والمتمثلة في تعزيز الوطنية والنسيج المجتمعي الخليجي.
فأنا لست سنيا ولست شيعيا.. أنا وبكل فخر مسلم خليجي.