علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

سياسات خرقاء

منذ نعومة أظفاري وأنا أرقب المشهد الاقتصادي العربي، وما لم أعاصره قرأت عنه حتى مللت، وجدت بعد هذا كله أننا في العالم نتخذ سياسات اقتصادية خرقاء ويثبت فشلها ومع ذلك نكرر تطبيقها.
دعونا نذهب للتجربة الاقتصادية المصرية، ففي عهد جمال عبد الناصر تم التأميم كسياسة صفقت لها الجماهير ثم تم سحب الأراضي الزراعية من الملاك وأطلق عليهم عبد الناصر اسم الإقطاعيين، وأردف لقباً ثانياً هو «مصاصو دماء الفقراء»، وزع عبد الناصر أراضي الملاك على العاملين في الأرض وفق مساحات صغيرة، صفق الفقراء لعبد الناصر وكتم ملاك الأراضي غيظاً شديداً من عبد الناصر منعهم من إظهاره ديكتاتورية الحاكم، وقبضة أجهزته البوليسية بقيادة شمس بدران.
إلى ماذا قادت سياسة عبد الناصر الاقتصادية؟ قادت إلى رداءة الصناعة المصرية وعلى رأسها صناعة النسيج التي كانت تشتهر بها مصر، لماذا؟ لأن المصانع أصبحت ملكاً للدولة فانتفى الإخلاص لدى العاملين لأنهم سيقبضون رواتبهم آخر الشهر بغض النظر عن الإنتاج، ثم تدخلت المحسوبية ليعين مديرو المصانع مَن يريدون بغض النظر عن الكفاءة، واستشرى الفساد والرشوة، وفي النهاية ضاعت الصناعة.
وفي المجال الزراعي، تفتتت الأرض، فبعد توزيع الفدادين القليلة على المزارعين تفتتت الأرض بين الورثة لتصبح ملكية كل وارث غير مجدية للزراعة، فضاعت الزراعة هي الأخرى!!!! ثم نعرج على سياسة تثبيت الإيجار للساكن ومنع الزيادة عليه مما كبل الملاك وجعلهم لا يستثمرون في العقار ليخلق ذلك سوقاً سوداء في العقار، وأصبحت الشقة ذات الإيجار القديم تباع بنقل قدم أو ما يسميه إخوتي المصريون «خلو» ولم يحرر ذلك سوى السادات.
ثم نأتي للنموذج الثاني الذي لم يستفد من تجربة عبد الناصر وهو القذافي وكتابه الأخضر المشؤوم، الذي أقر مبدأ البيت لساكنه، والمركبة لسائقها ليصبح المستأجر مالكاً وليخرج من عمّر البيت أو «الحوش» كما يطلق عليه إخوتي الليبيون «بخفي حنين»!!!!! وكذلك ذهبت السيارة للسائق أما من تعب حتى يخلق أسطول نقل فليذهب للجحيم.
ولا ننسى نهجه الاشتراكي لتصبح الدولة مالكة كل شيء لتتدهور التجارة، ويذكر لي مدرس من الإخوة الفلسطينيين عمل في ليبيا أن سيارته تعرضت لحادث وبدأ يبحث عن قطع غيار لسيارته فكان موظفو الحكومة الذين يبيعون في متاجر الحكومة يعتذرون له بعدم توفرها لأنهم متكاسلون عن إحضارها وتحرير فاتورة بيع وخلافه!!! ولم ينقذه من ذلك سوى الواسطة عن طريق المعارف ليحضر ما يحتاج من قطع غيار من ذات المتاجر التي اعتذرت من قبل!!!! والنتيجة صفق المستفيدون للقائد وكظم المتضررون غيظهم، وضاع اقتصاد ليبيا رغم النفط وقلة عدد السكان نتيجة السياسات الخرقاء التي انتهجها القذافي.
وفي الخاتمة، نعرج على لبنان العزيز، سويسرا الشرق سابقاً، لنجد المودعين يهاجمون البنوك للحصول على أموالهم، وقاد لهذه الفوضى والوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان السياسات الخرقاء، فحزب الله يمتلك السلاح ويهدد الآخرين مما قاد لبنان درة الشرق لما نراه اليوم من فوضى اقتصادية مزرية.
السؤال: هل نستفيد من تجاربنا السابقة ولا نعيد تكرارها؟ أم أن الوضع سيتكرر؟ وهل ستقوم غرفة التجارة برصد التجارب وتفرز السيئ ونتائجه حتى لا نعيد تكراره؟ وترصد التجارب الناجحة حتى نستمر بها ونطورها؟ ودمتم.