داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

البحث عن وسطاء بين روسيا وأوكرانيا

مهما حاولنا الالتفات ذات اليمين وذات الشمال لن نجد وسيطاً دولياً حكيماً يمكن أن يؤتَمن لإيجاد حل جيو - سياسي للحرب الروسية على أوكرانيا غير الصين. فهذه الدولة القارّية بمساحتها الكبرى (نحو عشرة ملايين كم2) وسكانها (مليار و400 مليون نسمة) وبحارها (أربعة أبحر) وجزرها (11 ألف جزيرة) وجبالها (29 جبلاً ارتفاعها بين 6000 متر فوق سطح البحر و2000 متر والهملايا أعلاها) وأنهارها (أكثر من 1500 نهر) وقوتها (أقوى ثالث جيش في العالم و350 رأساً نووياً). ودورها في الحربين العالميتين الأولى والثانية شبه المحايد الحذر حتى الساعات الأخيرة، يجعل منها وسيطاً منصفاً يدافع عن روسيا ولا يظلم أوكرانيا.
والغريب أن الصين لم توفّق بتعيين أمين عام صيني للأمم المتحدة منذ تأسيسها في عام 1945 حتى اليوم، بينما تولى المنصب حسب التسلسل أمناء من النرويج (مرتين) والسويد، وميانمار، والنمسا، وبيرو، ومصر، وغانا، وكوريا الجنوبية والبرتغال. وغابت أيضاً دول كبرى مثل روسيا والهند، واليابان، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا وإيطاليا. لكن الصين حظيت بتعيين ليو زنمين وكيلاً للأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وسجله حافل بالمناصب الدبلوماسية والمهمات الخاصة.
بعد هذه المقدمة، فإن التنين الصيني الحكيم مهيأ دبلوماسياً، رغم تحالفه الآيديولوجي مع النظام الروسي، إلى تولي أصعب مهمة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لوقف حرب شبه نووية بين روسيا وأوكرانيا بعد إطلاق قذائف صاروخية على بعض المفاعلات الذرية في أوكرانيا. ولو نجح الوسيط الحكيم الصيني لنال الرئيس الصيني شي جينبينغ جائزة نوبل للسلام عن جدارة واستحقاق إذا ساعده في ذلك الرئيسان الروسي والأوكراني في ساعة حظ نادرة.
ترفع الصين حالياً شعاراً إيجابياً جديداً، هو «التعاون بدلاً من العزلة والمواجهة». وفي مقابلة مع وسائل الإعلام الأميركية في واشنطن في الشهر الماضي، قال السفير الصيني تشين قانغ، إنه يشعر أنه يعيش في «بيئة رهاب التهديد». وأشار إلى أن بلده يُساء فهمه وتقديره على أنه «تهديد للولايات المتحدة». وأضاف «إن الصين ليست تهديداً ولا تحدياً».
وكان السفير صريحاً بسخرية غير معهودة وهو يقول «ليست لدينا نية لنحل محل الولايات المتحدة الأميركية وتدميرها»!
المشكلة الأساسية بين الولايات المتحدة والصين هي جزيرة تايوان. وتقول الرواية الصينية، إن إعلان القاهرة الصادر عن الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في عام 1943 على أن جميع الأراضي التي سلبتها اليابان من الصين يجب إعادتها إلى بكين. وفي عام 1971 تبنت الجمعية العامية للأمم المتحدة، وليس مجلس الأمن، التأكيد على ذلك الإعلان ومبدأ الصين الواحدة وعودة السيادة الصينية على تايوان. لكن يوجد اختلاف بين حالتي تايوان وهونغ كونغ التي كانت مستعمرة بريطانية ثم سلمتها لندن إلى بكين قبل ربع قرن تحت شعار «دولة واحدة بنظامين». الآن تايوان دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة أمام حائط مغلق في اتجاه واحد نحو الصين الشعبية، وهي حالة معقدة تستدعي تنازلات متبادلة في التشريعات والأحزاب وأنظمة التعليم والعمل ورؤوس الأموال والقيم الاجتماعية وجمع شمل العوائل في الدولتين، وهي تحتاج إلى سنوات عديدة لضبط الحساسيات والفروق والمزايا والحريات العامة والاقتصاد والتنمية والاستهلاك المجتمعي والفردي.
في حالة ميناء هونغ كونغ تتولى الحكومة المركزية الصينية تعيين حكومة المقاطعة وخاصة الوزراء الأمنيين، بينما جزيرة تايوان لها مقومات الدولة وتحتاج إلى عمليات جراحية سياسية حساسة لإعادة الفرع إلى الأصل، قد تستغرق عقوداً لبناء الهيكل الإداري والتنظيمي والأمني والعسكري والسكاني. وربما تَسهل المهمة مع تجديد انتخاب الرئيس الصيني الحالي لأنه يتميز بالصبر والحكمة وعلاقات حسنة، ومستعد لشراء الوقت والأمن والاستقرار، وهو لم يعد مغرماً «بالكتاب الأحمر» لماو تسي تونغ.
لهذا؛ فإن الاسترسال في رسم الحالة الصينية يُسهل ملامح صورة التنين الحكيم، وهو يقرأ تاريخ أكثر من ثمانين عاماً من انفصال تايوان عن الصين ليحاول تنظيم لوحة الكلمات المتقاطعة سياسياً واقتصادياً وحزبياً وديمقراطياً داخلياً وإقليمياً ودولياً.
حتى الآن لا تشكل هونغ كونغ قدوة مثالية للالتحاق بالمقاطعات الصينية؛ ولذلك فإن تايوان تخشى التحول إلى هونغ كونغ ثانية خالية الدسم في الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان. كثير من السياسيين والنشطاء التايوانيين يرفضون وحدة الجزيرة مع البرّ الصيني ضمن الصين الموحدة. واقترحت الصين على تايوان نفس المبدأ المطبق في هونغ كونغ ويفترض أن تضمن الصين لتايوان حكما ذاتيا لمدة 50 عاماً.
أثارت غضب الصين زيارة استفزازية لتايوان قامت بها في الشهر الماضي نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي، فحركت أسطولها البحري، وسرعان ما قلبت الصين الصفحة بعد انتهاء زيارة بيلوسي. وطبعاً الصفحة السياسية والإنسانية الصينية ليست ناصعة البياض؛ فقد مارست بكين مجازر قمعية ضد الصينين المسلمين البالغ عددهم نحو 150 مليون نسمة. لكننا نريد في هذا المقال البحث عن دولة أو رئيس أو سياسيين من دول مختلفة من القارات الست، للتوسط بين روسيا وأوكرانيا لوقف الحرب التي استمرت أطول مما ينبغي، من دون أن تتدخل الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار وفتح باب التفاوض بين الطرفين المتحاربين. وفي الحسابات السياسية، لن نجد بسهولة دولة أو شخصية عالمية تقترب من إمكانية إيجاد حل سلمي بين موسكو وكييف، وحقن الدماء ووقف الدمار الذي قد يتطور إلى أبعاد أخطر من كل ما حصل طوال الأشهر السبعة الأخيرة.
في الأيام الأولى لهذه الحرب تحركت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومنظمات سياسية ودول أخرى، لإيجاد حل يؤدي إلى وقف إطلاق النار أو هدنة مؤقتة، لكنها لم تنجح إلا في فتح ممرات آمنة لإنقاذ المهاجرين واللاجئين والهاربين من الجحيم، وسفن محاصرة في البحر الأسود لنقل الحبوب والأغذية من أوكرانيا إلى دول الشرق والغرب.
نحن على أعتاب نهاية السنة الأولى للحرب بلا وجود ضوء في آخر النفق كما يقول السياسيون. وعلى القارات الست أن تجد من ترشحه، أو ترشحهم لفريق وساطة، لإيجاد حل عادل يوقف هذه الحرب التي أنهكت الاقتصاد العالمي، وليس اقتصاد المتحاربين فقط وتضحياتهم، حتى الصين التي يمكن أن تتوسط بينهما تعاني من ركود اقتصادي لم يسبق له مثيل.
وإذا لم تنفع الصين فليس أمامي إلا أن أرشح رؤساء أفقر خمس دول في العالم هي بوروندي، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والنيجر، وملاوي ومدغشقر لمقابلة الرئيسين الروسي والأوكراني والبكاء أمامهما، لإيجاد حل عاجل لمشكلة الغذاء في العالم.