علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

هذا ما نحتاجه

الأعمال الخيرية ليست حكراً على فئة معينة من فئات المجتمع بل هي حق مشاع، يقوم به كل فرد في نفسه خيرا من أي فئة، والبسطاء أمثالي يقومون بأعمال الخير بشكل فردي ومحدود وبالكاد يغطي أفراداً قليلين يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة. لكن الموسرين يقومون بأعمال الخير بصفة مؤسساتية قد يكتب لها الديمومة إذا وجدت من يتبناها بعدهم، وهي باب خير للبسطاء وذوي الدخل المحدود والمتوسط ليجودوا بقليلهم الذي يكثر بكثرة عددهم عبر تبرعهم لهذه المؤسسات الخيرية التي يتوقع منها أن تحسن صرفه.
في عالمنا العربي كانت الأعمال الخيرية تركز على بناء دور العبادة، ولكن هذا النمط يبدو أنه قد تغير مع تغير حاجات المجتمع، وحملة التبرع لمرض السرطان في مصر غير بعيدة، حيث بدأ رجال الأعمال بالتبرع ثم تلتهم بقية فئات المجتمع ليقدم الفنانون نموذجاً رائعاً بالتبرع عبر تخصيص دخل يوم من أيام عروضهم المسرحية أو أعمالهم الفنية لهذه الجمعية.
وفي السعودية لم يكن الأمر بعيداً عن ذلك، فها نحن نشاهد جمعية إنسان المعنية برعاية الأيتام وغيرها من الجمعيات الخيرية التي يعنى بعضها برعاية ذوي الهمم وبعضها يعنى بمرضى الكلى وغيرها من الجمعيات.
ولعل آخر هذه الجمعيات ظهوراً في السعودية جمعية العناية بذوي التوحد تحت اسم (أسر التوحد) التي يرأس جمعيتها الأمير سعود بن عبد العزيز بن فرحان آل سعود، وهي جمعية نوعية وغير تقليدية تعنى بذوي التوحد، لذلك هي تحظى باهتمام رجال الأعمال وذلك للأسباب التالية أولاً، لأن وزارة العمل تحسب نقاطاً أكبر في التوطين لمن يوظف أحداً من ذوي الهمم، فمن يوظف واحداً من ذوي الهمم يحسب عن أربعة موظفين سعوديين أصحاء.
ثانياً، أنه وبحسب دراسة أجرتها هارفارد بزنس ريفيو (Harvard Business Review) قد تصل إنتاجية ذوي التوحد في بيئة العمل إلى 140 في المائة أعلى من الموظف العادي، وذلك يعتمد على توظيف الشخص في وظيفة تتناسب مع نقاط القوة لديه.
ثالثاً، إن مرضى التوحد يجيدون العمل المتكرر ولا يملون منه عكس الأصحاء، ثم إن الدراسات أثبتت أن ذوي التوحد قد يبدعون في عمل معين متخصص مثل الرسم أو الموسيقى وقس على ذلك، أي أنهم يبدعون في عمل واحد متخصص ويتقنونه أفضل من غيرهم، وبعضهم يبدع في الرياضيات أو فرع من فروع العلوم، حتى إنه يقال إن أينشتاين صاحب نظرية النسبية مصاب بالتوحد.
رابعاً، إن الشركات تخصص جزءاً من أرباحها للمسؤولية الاجتماعية ورعاية مثل هؤلاء وتوظيفهم ودمجهم مع المجتمع يعد أمراً في صلب المسؤولية الاجتماعية.
خامساً، إن الشركات التي تخدم مثل هذه الفئات ينظر إليها المجتمع باحترام، وقد يقبل على شراء منتجاتها أو خدماتها نتيجة تقديره لها من خلال سمعتها الطيبة في رعاية ذوي الحاجات.
ولعل مثال المليونير الأميركي روكفلر المشهور بالبخل وغير المحبوب من المجتمع الأميركي عندما أراد أن يطرح شركاته وخشي من عدم الإقبال على شراء أسهم شركاته نتيجة بخله، فاستعان بخبير العلاقات العامة إيفي لي الذي نصحه أن يتبرع للجمعيات الخيرية ليغير صورته لدى المجتمع، وفعلاً هذا ما فعله روكفلر قبل طرح أسهم شركاته لتتغير صورته في ذهن الجمهور ويقبلون على أسهمه.
ما يميز جمعية أسر التوحد أنها جمعية غير تقليدية فهي ستنظم في السادس عشر من الشهر الحالي مسرحية ممثلوها من ذوي التوحد في الرياض تحت عنوان «صالة أربعة»، وفي عشرين من الشهر نفسه ستنظم فعالية للرسم تحت عنوان ريشة طيف - فعالية معنية بالرسم - في مدينة جازان وتحت رعاية أميرها مما يعني شموليتها لجميع الوطن.
رجال أعمالنا العرب لديهم الحس الإنساني الخيري ولكن ينقصهم التنظيم والبعد عن التقليدية في الأعمال الخيرية مثل المنح الدراسية لأبناء الفقراء والأيتام وغيرها من الأعمال الخيرية غير التقليدية، ليحظوا بحب المجتمع وليقبلوا على شراء منتجاتهم. وفعلاً نحن نحتاج لأعمال خيرية نوعية وغير تقليدية تلبي حاجات المجتمع المستجدة. ودمتم.