لا تبدو أوروبا على موعد مع شتاء معتاد، فهو أول فصل بارد تعيشه مع أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، التي ما زالت تداعياتها تتصاعد، فقد شهدت الساحة الدولية تباطؤاً ملحوظاً، فهل ابتكروا مناخاً من السلبية، وغدت تعمية الواقع عرفاً آيديولوجياً؟ فكل ما هنالك مجموعة أفكار تتعارض مع بعضها البعض، وهذه الاعتبارات تقود إلى تناقضات وانقسامات سيصعب التحكم فيها، حيث تستعد أوروبا لشتاء عصيب مع انخفاض مخزونات الديزل في مستودعات التخزين بما أنها غير كافية، وتخوف الجميع من العواقب الكبيرة التي ستترتب على بدء سريان عقوبات الاتحاد الأوروبي على إمدادات النفط الخام والمنتجات المكررة الروسية، خصوصاً على الصناعات والسائقين.
لذا، يبدو أن العقاب قد أنزل على الجانب الخاطئ، فبعد الحرب الروسية أصيبت سوق الديزل بصدمة مع ارتفاع أسعاره على أساس الانقطاع المحتمل لتلك الإمدادات، ودخلت خطة الطوارئ التي أقرها الاتحاد الأوروبي لمواجهة سيناريو انقطاع الغاز الروسي حيز التنفيذ، بموجب الخطة، حيث يتعين على دول الاتحاد الأوروبي خفض استهلاكها من الغاز طواعية بنسبة 15 في المائة. وللوصول إلى الهدف، وتقليص الاستهلاك بواقع 45 مليار متر مكعب من الغاز بشكل عام، يجب على ألمانيا وحدها خفض استهلاكها بواقع 10 مليارات متر مكعب، وفقاً لأرقام المفوضية الأوروبية، فهل ستنجح استراتيجيتهم بتخطي الأزمة دون رفع العقوبات على روسيا؟
بينما، تتزايد المخاوف الأوروبية بشكل كبير من إمكان لجوء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى قطع إمدادات الغاز، «انتقاماً» للعقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب، والآثار الاقتصادية بعد ارتفاع الأسعار وإغلاق المصانع، فهل سيكون الشتاء سبباً في تراجع الدعم لأوكرانيا، وإيجاد حل مع روسيا؟ علماً بأن علامات الإعياء ظهرت على الساحة الأوروبية جراء مضيها قدماً في مسار حرب تزداد تكلفتها يوماً بعد يوم.
فإن سير العمل هنا منظور إليه من زاوية مختلفة تماماً، فمع ارتفاع التضخم واشتداد أزمة الطاقة وتنامي مخاطر الركود، تحسب هذه الأدوات ككل ضرورة تنقسم بموجبها الآراء، وبناء عليه ارتفعت أصوات القادة الأوروبيين بالحديث عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للصراع، وكذلك آثاره السياسية والجيوسياسية، كما أنه يتعذر تحديد الاتجاه والمسار إلى نقطة أخرى من الجدل الذي يخفي وراءه اتساقاً بعيد المدى يختلف باختلاف شروط روسيا، وكيفية التعامل مع الحرب.
إلى متى ستستمر هذه التحديات، وإلى متى ستظل الوحدة الأوروبية صامدة تجاه الحرب؟ وكل الطرق المستخدمة للإبحار في الليل تنتهي بمنحى محفور، فهناك خطوط لا يمكن تجاهلها قد تدفع للتقدم باتجاه وضع حد نهائي لكل ما يحدث في أوكرانيا، فالإبحار نحو الأفق قد يستغرق الكثير من الاستثناءات.
عادة ما يشار إلى التغيرات المتراكمة بأن هناك تصنيفات عامة، وخاصة بعد الضغوط الاقتصادية المتعاظمة بخلق ظواهر مقلقة في السياسة الأوروبية، تتصارع فيها الرغبات، وتربطها بالنتائج المستهجنة التي تفسر طريقة اللوم الاجتماعي كشكل من أشكال العقاب، ففي دول كإيطاليا وفرنسا تقوم الأحزاب الشعبوية والقومية اليمينية باستخدام آثار الحرب الاقتصادية وسيلةً لحشد الدعم الشعبي، وهذا يتيح لهم البحث عن دوافع تستحق الملاحظة في هذه المرحلة، فمؤسسات الاتحاد الأوروبي، للأجندة الخضراء التي فرضت العقوبات على روسيا، هما السبب في تغذية التضخم وتفريغ الصناعة وتدمير الوظائف.
هذا يحيلنا فوراً إلى الأمور التي طرحها وزراء الطاقة لخفض خطة استهلاك الغاز بنسبة 15 في المائة في التكتل، بهدف تقليل الاعتماد على روسيا، ينتمون إلى ديمقراطيات عريقة أكثر ملاءمة، ولكن ليس بشكل كافٍ، والبعض منهم لا يزال مشوشاً بسبب الإيمان بالخلاص الفردي، فهل تتيح الخطة الأوروبية إمكانية تعاون بين دول التكتل في حالة حدوث نقص في الغاز لدعم الدول الأكثر اعتماداً عليه؟
لا شك أن العالم الذي يتظاهر بأنه يحيا مستقلاً، فهو يعيش مفهوماً ضيقاً جداً، وتستحيل حمايته من الصدمات المهددة لاقتصاده وأمنه الاجتماعي.
8:32 دقيقه
TT
شتاء أوروبا مثقل بالأزمات
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة