د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

تهادي درر الشرق والغرب

يقول رجل الدولة والسياسي المحنك ونستون تشرشل في مذكراته إنه كان يقرأ كثيراً كتب المقولات، ويَعجب ممن لا يوليها اعتباراً يذكر... (انتهى كلامه).
وكثيراً ما استغرب من غياب ثقافة «تهادي» المقولات في عالمنا العربي. أذكر أن شخصاً أميركياً أهداني كتاباً ضخماً، مغلفاً كهدية. وكعربي توقعته من أمهات الكتب لديهم. فتحته بشغف وفضول وإذا به كتاب يحمل مقولات الشرق والغرب. وهو من أجمل ما قرأت.
روعة المقولات العميقة، أنها أشبه بالأمثال والحكم، فهي بنهاية المطاف خلاصة تجربة أو نظرة عميقة للحياة. وقد سبقْنا كعرب الأمم بولعنا غير المسبوق بأبيات الشعر، التي حفظت قيمنا وتاريخنا ودررنا، حيث علقنا على أستار الكعبة أجود ما قيل في الشعر العربي، وهي ظاهرة فريدة في التاريخ.
شتان ما بين الشعر والمقولات، لكن المتدبر يجد فيهما عاملاً مشتركاً وهو المعاني الراسخة. وكم من مقولة غيرت تفكيرنا على نحو جذري. فقد سبق الشافعي كل كتب تطوير الذات والإدارة عندما لخص الأولويات فقال: «إذا كثرت الحوائج فابدأ بأهمها». وقال حكيم العرب أكثم بن صيفي: «أحسن القول أوجزه»، و«آفة الرأي الهوى»، و«من شدد نفر»، و«رب قول أنفذ من صول»، و«الصولة: سطوة في حرب أو غيرها». ومن درره أيضاً قوله إن «من علامات الجهل الإجابة قبل الاستماع».
وقال ويليام شكسبير: «إذا ابتسم المهزوم، أفقد المنتصر لذة الفوز»، و«الفن مرآة تعكس الطبيعة». وكأن أديب الإنجليز يعيش بين ظهرانينا عندما حاول التخفيف من وطأة ما نشاهد على مسرح الحياة فقال: «يموت الجبناء مرات عديدة قبل أن يأتي أجلهم، أما الشجعان فيذوقون الموت مرة واحدة»، و«إذا كنت صادقاً فلماذا تحلف». ويهمس في أذن المفتونين بعصر التباهي في «السوشيال ميديا» فيقول: «السيرة الحسنة كشجرة الزيتون، لا تنمو سريعاً، ولكنها تعيش طويلاً».
أما رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل الذي رغم أنه خرج منتصراً في الحرب العالمية إلا أن الشعب البريطاني آثر عدم إعادة انتخابه، فقد قال كلمة شهيرة يواسي بها كل مهموم: «النجاح هو أن تنتقل من فشل إلى فشل بدون أن تفقد حماسك»، و«الشجاعة أعظم صفة في الشخص لأن بقية الصفات تأتي نتاجاً لها»، و«يرى المتشائم الصعوبة في كل فرصة، أما المتفائل فيرى الفرصة في كل صعوبة». وكسياسي محنك يرى تشرشل أن «نفوذ الدول يقاس بمسافة نيران مدافعها».
المقولات القيمة تستحق أن تهدى ككتب وتغلف كهدية، فقد يجد بها التائه وجهته. مشكلتنا كعرب أننا ننشغل «بمن» القائل على حساب «ماذا» قال من درر، مع أننا نردد جيلاً بعد جيل بأن «الحكمة ضالة المؤمن»!