جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

تواصلُ دوّامة الحرب الأوكرانية

قرابة خمسة أشهر مرت على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ولم تنتهِ الحربُ بعد، بل ازداد سَعيرها، وتعددت تداعياتها. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن مؤخراً خططاً للاستيلاء على مزيد من الأراضي الأوكرانية الواقعة وراء منطقة شرق دونباس، والسبب، كما أوضح، لأن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا جعل موسكو تغير استراتيجيتها. وهذا يعني حرفياً أن الحرب ستطول، ولا منجى من سلبية تداعياتها. وأن المعاناة ستتفاقم على المستويات الحياتية كافة.
منذ بدايتها في 24 فبراير (شباط) الماضي، أدخلتْ الحربُ العالم سريعاً، ومن دون مقدمات، في نفق معتم وخطر. وفاقمتْ فجأة من حدّة التوتر دولياً، وتداعياتها الاقتصادية تحركت بوتيرة سريعة، وطالت بلدانه الغنيّة والفقيرة على السواء. ولعل ما حدث أخيراً في سريلانكا خير شاهد. سريلانكا، يقول اقتصاديون، ليست سوى حلقة أُولى من حلقات سلسلة طويلة. وإن التداعيات السلبية للحرب من الممكن أن تطال أكثر من 20 بلداً آخر، بما يهدد استقرارها. وإن باكستان، تحديداً، من المحتمل أن تكون الضحية الثانية، وفي وقت قريب.
الارتفاعُ المفاجئ لأسعار النفط والغاز، والأسمدة، مضافاً إلى ما تراكم عبر السنوات الماضية من فساد اقتصادي، كان بمثابة القشّة التي قصمت ظهر سريلانكا، وقضت على ما تبقى في خزائنها من عُملة صعبة. وها هي، الآن، تقف على أعتاب صندوق النقد الدولي تتسول إعانة تنقذ شعبها من الجوع واقتصادها من الغرق. هذا في حالة عدم تشدد الدائنين -اليابان والصين- على تحصيل الديون الواجبة السداد!
أزمة نقص النفط والغاز جعلت الرئيس الأميركي جو بايدن، يهرع مسرعاً إلى الرياض طلباً للمساعدة. وفي الوقت ذاته، دفعتْ الحكومات الأوروبية إلى المسارعة بعقد اتفاقات مع الدول المنتجة للنفط والغاز في أفريقيا وآسيا، على أمل ملء خزّاناتها بما يكفي من الاحتياطيات، قبل حلول فصل الشتاء.
شهر أكتوبر (تشرين الأول) في العادة، يعلّمُ لبدء المواطنين في بلدان الغرب تشغيل أجهزة التدفئة بسبب برودة الطقس. وتفادياً لما سيُحدثه النقص في الوقود من إشكالات حادّة على مستوى الاستهلاك اليومي في التدفئة والإنارة، وتشغيل المصانع، سارعت رئاسة الاتحاد الأوروبي مؤخراً إلى القيام بإجراءات عاجلة يأتي في مقدمتها الطلب من الدول الأعضاء البدء في تخفيض استهلاك الطاقة بنسبة 15%، في الأماكن العامة، كجزء من خطط طارئة قبل حلول الأزمة الشتائية المتوقعة. هذه الخطوة العاجلة من رئاسة الاتحاد الأوروبي جاءت بناءً على مخاوف من لجوء موسكو إلى استخدام الغاز كسلاح في الحرب، بوقف إمداد دول أوروبا بما تحتاج إليه خلال فصل الشتاء القادم. وفي المقابل، تتهم موسكو دول الغرب بكونها السبب في الأزمة نتيجة العقوبات المفروضة عليها، والتي تَحول بينها وبين القيام بإجراءات الصيانة اللازمة لتوربينات الضغط في خط تزويد الغاز «نورد ستريم 1» صادرات الغاز الروسي إلى بلدان أوروبا خلال الأسابيع الأخيرة والتي تباطأت بشكل كبير، قبل بدء عمليات الصيانة، علماً بأن روسيا تصدر 40% من الغاز إلى بلدان أوروبا، وأن 8 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعتمد على توريد أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا.
الخطط التي وضعتها رئاسة الاتحاد تطلب من الدول الأعضاء وضع ضوابط لاستخدامات التدفئة والإنارة في الأماكن الحكومية والعامة، وكذلك وضع قوائم بإغلاق محتمل لمواقع صناعية، والتي قد تسبب فقدان عشرات الآلاف من العاملين لوظائفهم. ومنحت رئاسة الاتحاد نفسها صلاحيات تمكّنها من التدخل وفرض تخفيض في استهلاك الطاقة في حالة إخفاق إحدى الدول الأعضاء في تنفيذ تخفيض استهلاك الطاقة طوعياً ما بين شهري أغسطس (آب) ومارس (آذار).
في ألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، حظيت مشكلة تخفيض الاستهلاك بنقاش كبير، تمحور حول مسألة الأولوية في حصص الاستهلاك. سياسة الاتحاد الأوروبي تقوم على منح الأولوية للاستهلاك المنزلي، في حين أن رجال الصناعة يرون ضرورة إعادة النظر في مسألة الأولوية تلك، كي لا يصاب القطاع الصناعي بالشلل الكامل. القطاع الصناعي الألماني يستهلك نسبة 36% من الغاز الروسي المستورد. تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن ألمانيا ستخسر 3% من مجموع الناتج المحلي بسبب الاضطراب الذي ستتعرض له الصناعة، وسيجر اقتصادها نحو الكساد.
آخر تداعيات الحرب اللافتة للاهتمام سياسياً، تمثل مؤخراً في زيارة الرئيس الروسي بوتين لطهران واجتماعه بأعلى القيادات الإيرانية. الزيارة جاءت بعد أيام قليلة من تصريح أدلى به وزير خارجية إيراني سابق بقدرة إيران تقنياً على تصنيع قنبلة نووية. التعاون الروسي - الإيراني، يقول معلقون غربيون، سوف يتيح لموسكو تفادي العقوبات المفروضة من خلال الاستفادة من الشبكة التي بنتها إيران خلال سنوات الحصار في تهريب النفط باستخدام طرق ملتوية ومعقدة تتفادى الرصد. من جهة أخرى هناك كذلك احتمال قيام موسكو بتقديم الخبرة التقنية اللازمة في تحقيق الهدف النووي الإيراني.