أرسل سوندار بيتشاي، المدير التنفيذي لشركة «ألفابيت»، مذكرة مفاجئة إلى موظفيه هذا الأسبوع الماضي تقول «لكي نتقدم إلى الأمام، يتعيَّن علينا أن نكون أكثر اتساماً بريادة الأعمال، وأن نعمل بقدر أعظم من الإلحاح، والتركيز بقدر أعظم من الوضوح، وأن نكون أكثر نهماً مما أظهرناه في أيام أكثر إشراقاً»، هكذا كتب موقع «ذي فيرج» المعني بالأخبار التقنية.
ولم تكتف رسالته بالتشديد على التوقعات ذات التحديات المزيدة لشركات التكنولوجيا فحسب، بل إنها شكّلت تحولاً نحو لهجة أكثر صرامة من صناعة التكنولوجيا التي لا تتهيأ إلا لزيادة حدتها في الأسابيع المقبلة. وقد كان تحذير مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، للموظفين في الشهر الماضي أكثر قتامة: إذ قال في إحدى المحاورات الأسبوعية مع فريق العمل «من الناحية الواقعية، ربما هناك مجموعة من الأشخاص في الشركة لا ينبغي أن يكونوا بيننا». وأضاف مؤسس «فيسبوك»، أنه يسعى لتحقيق أهداف أكثر صرامة «قد يقرر البعض منكم أن هذا المكان ليس مكانه، وهذا الاختيار الذاتي يناسبني تماماً».
إنه لمن المزعج أن نسمع مسؤولاً تنفيذياً في مجال التكنولوجيا يرفع من درجة التوتر بطريقة تعكس أسلوب جاك ويلش المتطرف في إقصاء أصحاب الأداء المنخفض. ذلك أن شركات التكنولوجيا كانت تعمل عموماً مثل «يوتوبيا» الموظفين؛ إذ تدفع رواتب مرتفعة، وتقدم مزايا سخية من الوجبات الجاهزة والحفلات الموسيقية المجانية، إلى التدليك في أماكن العمل، وخدمات أخرى فاخرة.
لكن النبرة الصارمة ضرورية أيضاً. إذ دخل قطاع التكنولوجيا عصراً غير معهود من عدم اليقين، يتسم بتراجع الأسهم وبطء التوظيف — وهي تحديات كان يمكن أن تكون صادمة حتى قبل عام من الآن. ومما يزيد الواقع سوءاً، أن شركات التواصل الاجتماعي، مثل «يوتيوب» و«فيسبوك» و«إنستغرام»، تواجه أيضاً تدقيقاً تنظيمياً شديداً في الوقت الذي تحاول فيه إعادة تصميم منتجاتها بسرعة لدرء المنافسة من شركة بايت دانس صاحبة تطبيق «تيك توك».
وإجمالاً للقول، فإن الأيام المشمسة من النمو المستمر للتكنولوجيا قد ولّت، وآخر التحذيرات من بيتشاي وزوكربيرغ لا تشير إلى أن أرباح الربع الفصلي الثاني المستحقة في وقت لاحق من هذا الشهر قد تثير غضب المستثمرين فحسب، بل تشير أيضاً إلى أنهم يضعون أنفسهم في موقف أكثر صرامة مع القوى العاملة التي أفرطوا في تدليلها لسنوات.
وطبقاً لوصف زوكربيرغ لذاته، فإنه رئيس تنفيذي لزمن الحرب بطبيعته. فقد تأثر بكتابات مستثمر «فيسبوك» بن هوروويتز، الذي يفترض أن الرئيس التنفيذي في زمن السلم «يركز على الصورة الكبيرة»، بينما الرئيس التنفيذي في زمن الحرب «يهتم ببقعة الغبار على مؤخرة البعوض». وفي حين يحاول الرئيس التنفيذي في زمن السلم تقليص الصراع، فإن الرئيس التنفيذي في زمن الحرب «يزيد من حدة التناقضات».
لقد نجح زوكربيرغ - الذي كان طموحاً وقادراً على المنافسة بلا هوادة إلى حد الارتياب الشديد - في إدارة «فيسبوك» بحس من الإلحاح حتى في الأوقات الجيدة. وفي عام 2012، طارد «إنستغرام» حتى اشترى الشركة بمبلغ مليار دولار بعد أن حذّر المدير المالي لشركته من أن «إنستغرام» «قد تكون مُسببة لخلل شديد بشركتنا»، وفقاً لرسائل البريد الإلكتروني التي نُشرت خلال مجريات مكافحة الاحتكار ضد الشركة. وبعد عامين، اشترى تطبيق «واتساب» بمبلغ 19 مليار دولار لأسباب دفاعية مماثلة على ما يبدو.
أثار ذلك بالطبع حفيظة الجهات التنظيمية المختصة بمكافحة الاحتكار، كما أن منهج زوكربيرغ الفج في استنساخ المنافسين قد أكسبه الاتهامات بأنه مُقَلِّد. (من بين النكات الساخرة في ذلك، أن إيفان شبيغل، الرئيس التنفيذي لشركة «سناب»، يشغل منصب رئيس قسم البحث والتطوير في شركة «فيسبوك»؛ وذلك بفضل كل الميزات التي حظيت بها «فيسبوك» من الشركة الأخرى الأصغر حجماً). ولكن عندما تكون الأوقات عصيبة، يمكن لهذا النوع من القسوة المساعدة أيضاً في حماية المحصلة النهائية للشركة.
يقول كيفين ويل، نائب رئيس المنتج السابق في «إنستغرام»، في مقابلة أجراها مع «بيغ تكنولوجي بودكاست» مؤخراً «إنه تنافسي بصورة لم أشهد مثلها لدى أي شخص آخر من قبل. حتى في الأوقات التي كان فيها (فيسبوك) مرتفعاً للغاية، ولا يمكن لشيء خاطئ أن يحدث، كان هناك دائماً شيء مُلح، شيء وجودي يدفع الجميع للتركيز عليه، وكانت لديه وسيلة لخلق التركيز والقيادة عندما يمكن التسامح معك لكونك كسولاً بعض الوقت. كان مارك لديه دائماً هذا الشيء».
أما زوكربيرغ، فقد جعل مهمته أشد صعوبة، سواء للأفضل أو للأسوأ، حين حوّل الشركة بالكامل إلى «ميتافيرس: كون أو محيط افتراضي هائل»؛ الأمر الذي ربما لم تكن لدى شركات التكنولوجيا الأخرى الشجاعة الكافية على التحول إليه منذ سنوات، هذا إن فعلوا على الإطلاق. غير أن رهاناته الكبيرة والحاسمة السابقة - مثل شرائه «إنستغرام» أو انتقاله إلى الهواتف المحمولة لـ«فيسبوك» - قد أتت ثمارها بسخاء، وتضاعفت أسهم «فيسبوك» أكثر من خمسة أضعاف في العشرية الماضية، حتى مع الأخذ في الحسبان انحدارها الشديد في الآونة الأخيرة.
والآن مع اقتراب عمالقة التكنولوجيا من لحظة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأعمالهم، فإن أولئك الذين يحتلون مناصب قيادية تنفيذية بالغة الصرامة، سوف يكون أداؤهم أفضل في المعركة الرامية إلى الاحتفاظ بالمواهب، ومقاومة المنافسة، والتناحر بين القوى العاملة المختلطة والمتباينة على نحو متزايد. ومن غير الواضح ما إذا كان سوندار بيتشاي من «غوغل» هو الرئيس التنفيذي لهذه اللحظة الأكثر تحدياً: على سبيل المثال، في تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 2020 عن بيتشاي، اتفق أعضاء فريقه القيادي إلى حد كبير على أنه شخصية «لطيفة». ولعل مذكرته الأخيرة لزملائه تُظهر تأهباً واضحاً لأن يكون أكثر ميلاً إلى المواجهة والتصادم.
ما زال لدى زوكربيرغ الكثير ليفعله لإصلاح الأضرار التي ألحقتها لوغاريتمات «فيسبوك» بالمجتمع. لكن عندما يتعلق الأمر بحماية أرباح الشركة، يبدو أنه لم يعد هناك أحد أكثر التزاماً منه بهذه المهمة. ربما يصبح بالفعل موضع حسد نظرائه.
7:38 دقيقه
TT
ما يحتاج إليه «فيسبوك» الآن؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة