يجمع الشرق الأوسط ما بين رؤيتين متضاربتين، تتمثل الأولى في رؤية المملكة العربية السعودية وشركائها العرب الذين يسعون جاهدين إلى تحقيق مستقبل واعد لشعوبهم، فيما تتمثل الثانية في رؤية إيران ووكلائها المتطرفين الذين يتحدون المنطقة بالتهديد النووي والعسكري. وسيتعين على الرئيس جو بايدن حين يصل إلى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل الاختيار ما بين قوى الاستقرار أو قوى الشر، وسيكون للجانب الذي يختاره أثر مهم على موروثه الرئاسي.
وسيصل الرئيس بايدن إلى إسرائيل أولاً للالتقاء برئيس الوزراء الإسرائيلي في تل أبيب، والرئيس الفلسطيني في الضفة الغربية، ومن المتوقع أن يؤكد للجانبين استمرار الدعم الأميركي للأمن الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية. وقد يجد بايدن خلافاً في السردين الإسرائيلي والفلسطيني حول الصراع الفلسطيني، إلا أنه قد يجد الطرفين متفقين حيال الدور الذي تلعبه «حماس» ومحرضها الرئيسي إيران.
وإذ تطلق «حماس» الناشئة على يد إيران ذخائر إيرانية الصنع بشكل متكرر من قطاع غزة على إسرائيل، الأمر الذي يستدعي انتقاماً إسرائيلياً أقوى، وبالتالي يتسبب في خسائر لا تعوض في الأرواح على الجانبين، وحقيقة فإن إيران تواصل اختطاف «القضية الفلسطينية» من خلال تهريب هذه الأسلحة عبر سوريا و«حزب الله» في جنوب لبنان إلى «حماس» الذي يواصل من خلال أنشطته ضد إسرائيل السماح لها بقتل المزيد من الفلسطينيين وتوسيع المستوطنات اليهودية تحت ذريعة الأمن.
ثم من المفترض أن يصل بايدن بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية في أول رحلة على الإطلاق من تل أبيب إلى جدة، التي سيلتقي فيها بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ومن المحتم أن تتطرق القيادة السعودية خلال المحادثات إلى الخطر الدائم الذي تشكله إيران، وسيحضر بايدن في اليوم التالي من وصوله للمملكة العربية السعودية «قمة رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي» وثلاث دول عربية رئيسة، هي مصر والأردن والعراق، ومن شأن هذا الاجتماع رفيع المستوى للقادة العرب أن يبرهن لبايدن أن المملكة العربية السعودية ليست وحدها في مواجهة التهديد الوجودي الذي تشكله إيران.
علاقة راسخة
تربط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية علاقات راسخة وعميقة تعود إلى عام 1945م حين التقى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بالعاهل السعودي الملك عبد العزيز بن سعود، على متن السفينة «كوينسي» الأميركية قبالة السواحل السعودية. وقد صمدت هذه الشراكة أمام اختبار الزمن طيلة الأعوام السبعة والسبعين الماضية والتي أسفرت عن نتائج بالغة الأهمية في السياسة العالمية منذ إلحاق الهزيمة بالشيوعية السوفياتية، وحتى مواجهة الإرهاب العالمي في الحاضر. كما صمدت هذه العلاقة في وجه أزمات حرجة على طول الطريق مثل الحظر النفطي في عام 1973م، وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، والتي تمكن البلدان من الانبثاق من صميمها بقوة أكبر خلال العقود. ويمكن القول في هذا الصدد إن التاريخ سيعيد نفسه وستعود العلاقة إلى مجراها المعتاد مع انقشاع أخطر زوبعة أصابت علاقة البلدين الثنائية.
فرابطة القيم والمصالح المشتركة التي تربط كلا من أميركا والمملكة العربية السعودية قادرة على رأب الصدع في العلاقات خلال لحظات، وهذا الارتباط التاريخي مؤسساتي ويتعزز بروابط عامة واسعة النطاق. ونادراً ما عرقلت القضايا العابرة مثل قضايا حقوق الإنسان هذه الروابط، إذ يدرك الرؤساء الأميركيون المتعاقبون أن منطق المجتمع السعودي التقليدي لن يقبل التغيير إلا إذا جاء متدرجاً، وبالتالي، فإن الخلاف الأخير في العلاقات ما هو إلا شرخ بسيط ولا سيما إذا كان الخلاف نابعاً من الانقسامات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، وعلى وجه الخصوص محاولات «الحزب الديمقراطي» المتعمدة لربط القيادة السعودية بالإدارة الأميركية السابقة.
وتعد الشراكة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أثمن من أن تفشل على خلفية أمور تافهة، وعلى ما يبدو فإن بايدن أدرك ذلك أخيراً من خلال استعادة النمط المتوارث للعلاقة، ولا يعني هذا القرار الواقعي نحو التقارب السعودي أنه ستكون هناك تسوية رئاسية للمثل الأميركية على حساب المصالح وفقاً لما أشارت إليه بعض الانتقادات التي لا أساس لها.
مفاهيم خاطئة
وخلافاً لبعض الآراء الإعلامية الأميركية، فإن العلاقة الراسخة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ليست قائمةً على تبادل المصالح (أي النفط السعودي مقابل الأمن الأميركي)، كما أنها ليست قائمةً على معادلة محصلتها صفرية مثل علاقة الولايات المتحدة مقابل الصين وروسيا.
وقد تسببت الحرب الأوكرانية بأزمة طاقة عالمية نادرة أدت إلى ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة وإرغام إدارة بايدن على إقناع المملكة العربية السعودية بتعزيز إنتاج النفط من أجل تخفيض ارتفاع الأسعار. وحقيقةً، فإن المملكة العربية السعودية قد دعمت الولايات المتحدة مرات عديدة من قبل ولن تتوانى عن فعل ذلك مرةً أخرى حتى ولو كانت هي نفسها لا تزال تتعافى من الصدمة الاقتصادية التي تسبب فيها وباء «فيروس كورونا» العالمي. وقد حققت المملكة العربية السعودية هذا الهدف بالفعل من خلال عرض زيادة مؤقتة في إنتاج دول (أوبك+) من النفط. والحقيقة هي أن الطاقة ليست سوى جانب واحد من جوانب الأولويات الاستراتيجية التي تتقاسمها المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة والتي تتراوح بين جوانب الأمن الإقليمي، وحل الصراعات، والانتشار النووي، والإرهاب الدولي، وهي مجموعة الأمور التي تتطلب من الولايات المتحدة إبداء الالتزام بأمن الشرق الأوسط.
كما أن النهج السعودي - الخليجي الذي يسعى لتحقيق علاقات مع القوى العظمى لا يحتاج إلى أي اقتراح ثنائي، والواقع أن جميع دول الخليج تعمل على تنويع علاقاتها مع القوى الناشئة في آسيا وخاصةً الصين، فهم يرون فوائد اقتصادية هائلة في الشراكة مع الصين. كما تقدم لهم روسيا مصدراً بديلاً لشراء معدات الدفاع الضرورية، ولكن لا الصين ولا روسيا يمكن أن تحل محل أميركا أو أوروبا في الخليج فيما يتعلق بأمن المنطقة ومصالحها الاقتصادية وطموحاتها، فالصين نفسها - نظراً لاعتمادها الكبير على نفط الخليج - ترغب في أن تؤمن الولايات المتحدة الممرات البحرية الاستراتيجية للمنطقة، وستكون الشراكة السعودية - الخليجية مع روسيا مفيدةً بعد أن تتجه حرب أوكرانيا نحو الحل الدبلوماسي.
الخطر الإيراني على العالم العربي
ينحدر المنطق السعودي - الخليجي الداعي إلى وجود دور أمني ثابت للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من الاضطرابات التي تسببت بها حرب العراق وتفاقمت بفعل ما عرف بثورات «الربيع العربي» التي يعزى اندلاعها إلى حد كبير إلى سلسلة من الخطوات الخاطئة التي اتخذتها الولايات المتحدة في العقدين الماضيين دون استشارة المملكة العربية السعودية، والتي أسهمت في ظهور إيران كخطر إقليمي. فعلى سبيل المثال تلاعبت الولايات المتحدة بخطوط الصدع الطائفي في العراق وسلمت مصير البلاد إلى إيران، ثم رفضت دعم المقاومة العربية ضد النظام السوري مما سمح لروسيا وإيران بتأسيس موطئ قدم لهما في سوريا.
دأب رجال الدين في إيران منذ عام 1979م على تهديد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وقد نجحت إيران - التي اتخذت من «الموت لأميركا» شعاراً لها - ووكلاؤها في زعزعة استقرار العالم العربي بمشاريعهم الخبيثة. وعانت المملكة العربية السعودية واليمن والعراق وسوريا ومصر وأفغانستان من الكثير على أيدي إيران، إذ هاجم «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و«حزب الله» المصالح الأميركية في المنطقة بشكل مباشر كما كانا المسؤولين عن سلسلة من الاغتيالات وعمليات الاختطاف الدولية. ورغم ذلك، وبعد ظهور أدلة كشفت نية إيران في التسلح النووي، كافأت إدارة باراك أوباما طهران بالاتفاق النووي في عام 2015م، وبعدما اشتدت الحرب في اليمن من العام نفسه، بدأ تمرد «ميليشيا الحوثي» المدعومة من إيران على الحكومة الشرعية، بتعريض أمن المملكة العربية السعودية للخطر.
وبدلاً من مساعدة المملكة العربية السعودية في حماية بنيتها الأساسية الحيوية من هجمات «الحوثيين» الصاروخية والطائرات المسيرة اختارت إدارة بايدن إزالة هذه الميليشيا من قائمة المنظمات الإرهابية، كما سحبت نظام الدفاع الصاروخي الأميركي باتريوت من السعودية. وبالتالي أقدم «الحوثيون» على توسيع عدوانهم ليشمل الإمارات العربية المتحدة في وقت سابق من هذا العام. وبطبيعة الحال، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بصفتهما حليفتين تقليديتين للولايات المتحدة، تتطلعان للحصول على دعم أمني من واشنطن ضد الهجمات العسكرية التي ترعاها إيران، وفي حال غاب ذلك الدعم الأمني فمن الطبيعي أن ينزعج الحلفاء الخليجيون.
ورغم اتخاذ إدارة دونالد ترمب خطوة بالاتجاه الصحيح حين انسحبت من «الاتفاق النووي»، إلا أنها خيبت أمل المملكة العربية السعودية في عدم اتخاذ أي إجراء ضد هجوم «الحوثيين» الذي استهدف مصافي النفط الرئيسية في بقيق وخريص في عام 2019م. كما انزعجت الإمارات العربية المتحدة بسبب موقف مماثل من جانب إدارة بايدن هذا العام، ولإفشال الأخيرة الاتفاق المتفق عليه بين الجانبين بشأن مقاتلات «شبح» من طراز «إف - 35» الذي أبرم خلال عهد ترمب، ولكن لحسن الحظ ومن منطلق إدراك فرنسا لمأزق المنطقة الأمني فقد قدمت لأبوظبي بديلاً عملياً من القدرات الجوية. وتتعاون فرنسا حالياً مع المملكة العربية السعودية على مشاريع الإغاثة الإنسانية في لبنان الذي يعاني من العجز الاقتصادي، والذي ظل رهينةً لنزعة «حزب الله» العسكرية لعقود من الزمان.
وستتربع القضية الأساسية المتمثلة في تأمين الشرق الأوسط من العدوان الذي ترعاه إيران وسط طاولة مؤتمر «قمة مجلس التعاون الخليجي+3» في جدة في 16 يوليو (تموز)، ولن يكون لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» أي معنى من منظور جميع الدول المشاركة في حال لم تفرض قيود ملموسة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والحرب بالوكالة في المنطقة. وعلى أي حال، وكما ذكرت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» مؤخراً، فإن إيران باتت على مقربة من تحقيق اختراق نووي في الفترة التي تتحدى فيها نظام مراقبة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، الأمر الذي يجعل محاولات إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» دون جدوى.
بوادر السلام وأهمية الدور الأمني الأميركي
ولعل بايدن يفهم الآن ما تتوقعه منه المنطقة في هذه الفترة الحرجة، وهو السبب الذي جعله يؤكد قبل زيارته، على مسؤوليته الرئاسية المتلخصة في فرض السلام بدلاً من السعي نحو النفط. وإذا كانت هذه هي نيته بالفعل فإنه سيجد في الشرق الأوسط مناخاً باعثاً على الاطمئنان إلى حد كبير أمام الدور الأمني الأميركي المحتمل.
فأولاً، تميل الخلافات الإقليمية حالياً إلى حل الصراعات، وإعادة الإعمار مع انحسار الانقسامات السياسية التي تسببت بها انتفاضات عام 2011م. ومن بين علامات السلام هذه التقارب المتزايد بين قطر والمملكة العربية السعودية ومصر إلى جانب تطبيع تركيا علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، واستئناف الحوار بين الإمارات وسوريا. وفيما يخص الملف اليمني، فقد أدت عملية الانتقال السياسي فيها وإنفاذ وقف إطلاق النار، وجهود الإغاثة الإنسانية بقيادة المملكة العربية السعودية إلى زيادة احتمالات إنهاء الحرب التي دامت سبع سنوات.
ثانياً، وسعت «اتفاقات أبراهام» - التي مهدت الطريق أمام الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل من جانب الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب في العام 2020م - نطاق الهيكل الأمني الإقليمي، وبالتالي قللت العبء الأمني على الولايات المتحدة. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإنها ستنتظر إعادة ترتيب مصالحها الاستراتيجية في هذا الصدد إلى أن توافق إسرائيل على الأقل على تسوية القضية الفلسطينية وفقاً لمبادرة السلام العربية، وهي المبادرة التي اقترحتها المملكة العربية السعودية عام 2002م ثم أقرتها جامعة الدول العربية في وقت لاحق. وقد تشكل المبادرات التي ترعاها الولايات المتحدة مثل حسم موضوع الجزيرتين المتنازع عليهما في البحر الأحمر وإعادتهما إلى السعودية إلى جانب احتمالات إتاحة المجال الجوي السعودي أمام الرحلات التجارية الإسرائيلية نقطة بداية في المحور.
ثالثاً، لقد تغيرت المملكة العربية السعودية تغيراً جذرياً منذ زيارة بايدن السابقة في عام 2015م، فعلى عكس تلك الفترة أصبح من حق النساء قيادة السيارات منذ عام 2018م، كما أصبحت مجالات التعليم والعمل والمساحات العامة مفتوحة أمامهن بالكامل. هذا وتشكل النساء أيضاً أكثر من 30 في المائة القوة العاملة الوطنية، وقد لمست حملة الإصلاح السعودية كافة جوانب الحياة الاجتماعية العامة والخاصة بما يشمل مجالات الرياضة والسياحة والإسكان والفنون والثقافة وغير ذلك الكثير. ويتكافأ هذا التغيير التدريجي مع التقاليد الغنية والقيم الإسلامية في المملكة العربية السعودية. وقد كانت هذه الثورة الاجتماعية والاقتصادية من صنع يد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتسعى خطته الاستراتيجية «رؤية 2030» أيضاً إلى تنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن النفط من خلال مشاريع إنمائية ضخمة مثل مدينة «نيوم» المستقبلية التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار والتي لا تطلق أي انبعاثات كربونية.
التطور... لا الثورة
سيدرك بايدن حين يجلس قبالة الزعيم السعودي الشاب لأول مرة مدى الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الجارية في المملكة، والتي تتناسب مع أولويات إدارته لحقوق الإنسان والاقتصاد الأخضر، وسيحصل على فكرة جيدة حول قيمة التطور في التحول الاجتماعي في المملكة العربية السعودية مقابل الاضطرابات الثورية التي دمرت دولاً راسخة مثل اليمن وسوريا وليبيا. كما سيدرك بايدن أن استثمارات «صندوق المملكة للاستثمارات العامة» بقيمة 620 مليار دولار في الولايات المتحدة تلعب دوراً حاسماً في خطة بايدن لـ«إعادة البناء» بشكل أفضل، والتي تستهدف الطبقة الوسطى الأميركية. هذا وسيكتشف بايدن أيضاً أن حملة التنويع الاقتصادي السعودية توفر فرصاً استثنائية للمستثمرين والشركات الأميركية في العديد من المجالات المربحة.
وأفادت أنباء أنه من المقرر أن يبحث الزعيمان أوجه التعاون الثنائي في سلسلة من القضايا التي تشمل التكنولوجيا الناشئة، والاستثمارات الاقتصادية، ومجالات الفضاء والطاقة المتجددة، والأمن السيبراني، والمناخ والمبادرات البيئية، والرعاية الصحية، وأمن الغذاء والطاقة، وتوسيع العلاقات التجارية. وقد حظيت مبادرة الاستثمار المستقبلية السعودية «دافوس في الصحراء» منذ عام 2007م باهتمام كبير بين الشركات الأميركية البارزة التي تسعى للاستثمار في مشاريع رؤية 2030 الكبرى، بما في ذلك مجالات الترفيه، والرعاية الصحية، والسيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة. ولا تنتظر هذه الشركات الأميركية سوى موافقة الحكومة الأميركية الرسمية للاستفادة من المناخ الصديق للاستثمار في المملكة العربية السعودية.
وعلى غرار المملكة العربية السعودية، تسعى بقية دول الخليج أيضاً إلى تحقيق الرؤى الوطنية الخاصة المتلخصة في التحرر الاجتماعي والتنوع الاقتصادي. وتجدر الإشارة إلى أن دبي والدوحة تشكلان أمثلةً حيةً على إمكانية إحراز التقدم غير المحدود في المنطقة، والمملكة العربية السعودية في طريقها لتحقيق هذه الغاية. وما زال النضال للتغلب على الآثار المترتبة من انتفاضات عام 2011م قائمةً أمام كل من العراق والأردن ومصر وهي تكافح للاندماج مع دول الخليج التي تشهد صعوداً اقتصادياً، وبالتالي فإن قمة جدة تجمع مشاركيها تحت أجندة مشتركة تعنى ببناء حياة أفضل لشعوبها ومستقبل مزدهر للمنطقة.
ويمكن بناءً على ما ذكر آنفاً أن نرى وبوضوح الرؤيتين المتنافستين في المنطقة إذا ما قورن المسعى العربي الجماعي نحو التقدم مع المسعى الإيراني الدؤوب لفرض إرادة إيران في الجوار العربي. ويمكن وصف هاتين الرؤيتين على أنها حرب بين قوى الخير وقوى الشر التي لن تنتهي إلا حين يفهم العالم المتحضر شدة الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط، ويقف إلى جانب الدول العربية لإيجاد حل دائم.
وبما أننا نعلم إلى أي مدى يقمع رجال الدين في إيران شعبهم، فإن تسوية هذه القضية تقع على عاتق الشعب الإيراني، كما أن ما يفعله النظام الإيراني خارج حدود إيران يزعج كل العرب، والسعوديين على وجه الخصوص الذي ذاقوا ثمار التطور في ظل قيادة ديناميكية. ويصعد النظام الإيراني الديني الصراع الآن إلى المستوى التالي، أي الحصول على أسلحة نووية لإجبار المنطقة على الخضوع والدمار، ويثبت التاريخ أن الإقناع لن ينجح في هذا الصدد، الأمر الذي يستدعي التخلي الفوري عن المحادثات النووية واستئناف حملة «الضغط القصوى» ضد إيران.
ومن الواضح أيضاً من المناقشات السابقة أن المملكة العربية السعودية وشركاءها العرب قادرون على تسوية الخلافات مع أميركا بشكل ودي حول القضايا الخلافية مثل أسعار الطاقة ودور الصين وروسيا، ولكن الخطر الكامن في إيران لا يزال يشكل قضيةً معلقةً منذ ثلاثة وأربعين عاماً. ومن شأن قمة جدة التي تجمع بين القيادات الأميركية والخليجية والعربية على المنبر نفسه أن تصنع التاريخ من خلال اتخاذ خطوة ملموسة للقضاء بشكل فعال على النزعة العسكرية الإيرانية والحرب بالوكالة والابتزاز النووي.
ويمكن القول إن الخطوة الصحيحة في هذا الصدد تكمن في إبرام اتفاقية دفاع استراتيجية شاملة لضمان أن أقوى دولة في العالم ستقف بحزم إلى جانب حلفائها الموثوقين في الشرق الأوسط. ولا بد من صياغة الاتفاق على هذا النحو حتى يصبح من المستحيل بالنسبة لإيران أن تعرض سيادة جيرانها العرب وسلامتهم الإقليمية للخطر. ويجب أن تكون هذه المعاهدة معاهدة دفاع جماعية تلزم الولايات المتحدة بتطوير الدفاعات الجوية المتكاملة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتقديم المساعدة لها وقت الحاجة. كما يجب أن تهدف إلى تقييد برامج الصواريخ الباليستية.
7:52 دقيقه
TT
لحظة الحقيقة تنتظر جو بايدن في الشرق الأوسط
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة