د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

خيار «حفظ ماء الوجه»!

ليست كل صراعات العمل تؤخذ بالصراخ أو الملاسنة. فمن أكبر ما يواجه المرء من صدمات نفسية في عمله، لحظة قرار المؤسسة الاستغناء عنه. ويمكن مواجهة ذلك بما يطلق عليه «المحادثة المحمية» protected conversation، وهي حديث سري وهادئ يكشف فيه المسؤول عن «رغبة» التسريح أو الاستغناء عن خدمات من يحدثه. غير أن هذه «الرغبة» قبل أن تصبح «قراراً» يطرح فيها المسؤول للموظف خيارين لا ثالث لهما.
الخيار الأول، أن يقرر الاستقالة طواعية ويمضي في حال سبيله وكأنه قد قُدّمَ إليه عرض وظيفي أفضل في مكان آخر، على أن يعوَّض مادياً. وهذه هي الطريقة العربية الشائعة لاعتبارات اجتماعية، لكنها بدأت بالتزايد في العالم الغربي، خصوصاً أن معرفة خبر الفصل في عصرنا صار يمكن معرفته بسهولة عن طريق الإنترنت أو الإعلام بسبب توسع نطاق التواصل بين الناس. في السابق إذا ما فصل موظف فإن زملاءه فقط هم من يعرفون تفاصيل ذلك لصعوبة التواصل مع جهة العمل السابقة، لا سيما في البلدان المترامية الأطراف، حيث يجب أن تعرف رقم هاتف الشخص المعني. أما الآن فبرسالة بريدية تصل إلى أبعد نقطة في العالم لمن تريد مهاتفته. ويمكن أن تحادثه صوتاً وصورة عبر اجتماعات برامج التواصل.
أما الخيار الآخر، فهو «مواجهة» قرار الفصل أو الاستغناء عن الخدمات. غير أن هذا الخيار ليس يسيراً، ففيه تشويه للسمعة بحد ذاته. وقد يوجه الشخص المتعنت اتهامات بارتكاب مخالفات إدارية أو مالية، وربما يتطور الأمر إلى اتهامه بمخالفة قانون الدولة، وهنا يتسع نطاق الضرر فيعرف القاصي والداني ما اقترفته يداه، خصوصاً إذا كان يتبوأ منصباً معروفاً لدى أوساط عامة الناس. غير أنه في الخيار الأول قد يضطر البعض إلى التغاضي عن تلك المخالفات الإدارية الداخلية، وذلك بعدم التلويح بهذا الخطأ لإدارة الالتزام Compliance أو التدقيق التي يتمحور عملها حول معرفة مدى وجود ملاحظات أو مخالفات إدارية لقرارات العاملين مقارنة باللائحة الداخلية، وتعليمات الجهات الرقابية، والقوانين المحلية والدولية (إن وجدت، كما هو الحال في الموانئ والمطارات وغيرها).
ومن المهم معرفة أنه في العُرف الإداري، يجب ألا يمنح الموظف خيار الاستقالة، ومنحه ورقة «براءة الذمة»، إذا ما كان قد ارتكب مخالفة قانونية أو لائحية جسيمة ولم ينل عقابه. وعلى وجه التحديد، عندما يكون الأمر مرتبطاً بالشأن العام، كقضية فساد وغيرها؛ لأن ذلك سوف يفسر على أنه تواطؤ من قِبل من منحه خيار المغادرة بكل هدوء بلا أي عقوبة.
ولأن هذه المواجهات حمالة أوجه أو اجتهادات، فإن الإنجليز كعادتهم يميلون نحو المنهجية الواضحة والمؤشرات الجلية التي يمكن الرجوع إليها في حال الاختلاف أو الخلاف. ومن هنا جاء قانون «المحادثة المحمية» عام 2013 الذي كان مثل غيره من التشريعات نابعاً من ممارسات واقعية، لكن تم تأطيرها نظامياً لتمارس وفق شروط محددة، منها خلو الأمر من العنصرية، وألا يكون المستغنى عن خدماته قد ارتكب مخالفة قانونية، ما عدا ذلك فإن منحه خيار «حفظ ماء الوجه» هو قرار وجيه مهنياً واجتماعياً.