د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

نابليون «وعقدة النقص»!

يُروى أن الزعيم الفرنسي نابليون بونابرت كان قد اشتهر بعقدة قصر قامته مقابل متوسط طول الارستقراطيين والضباط في عهده. وزاد الطين بلة عندما روّج البريطانيون لذلك عبر الدعاية والرسوم الكاريكاتورية، فأضحت «عقدة نابليون» متلازمة يوصف بها من يشعر بالنقص، مثل من يعوّض محدودية دخله بالمبالغة فيما يجنيه من مال، ومن يخفي جهله بالتظاهر بالمعرفة، ومن جُرد من الصلاحيات بالتظاهر بنفوذ وهمي. وقد لاحظت أنه طوال العشرين عاماً التي كنت أرتاد فيها أندية رياضية كان معظم من يدرب كمال الأجسام هم من قصار القامة. هل هي صدفة أم أمر مرتبط «بعقدة الرجل القصير»؟
وكنت أردد دوماً، أن عقدة النقص هي أكبر دوافع النفس البشرية، علاوة على أنها تقف وراء الكثير من مصاعب التعامل مع أصحابها.
فتجد الدولة الضعيفة تبالغ بالتسلح، والفقير يحاول اللحاق بركب الأغنياء، والرذيل يسعى إلى تعديل صورته الذهنية. وكذلك الغرور أو التكبر أصله شعور بالنقص.
ولذلك؛ يبقى المتكبر صغيراً في عيون من حوله، وقصة إبليس ورفضه السجود لآدم خير مثال.
عقدة النقص، هي شعور المرء بأنه أقل شأناً من الآخرين. وقد يكون الأمر ناجماً عن سبب موضوعي أو من دون سبب يذكر.
فهناك من يربي أبناءه صباحاً ومساءً على حكايات تعزز فيهم «المظلومية» أو بأنهم فئة دنيا في المجتمع، فيكبر الفرد منكسر الجناح، ويلازمه ذلك على الأرجح في معظم مسيرته المهنية فيعاني كل من يتعامل معه.
ويعزو البعض أسباب النقص إلى التنشئة الأسرية، أو الإفراط في حنان الطفولة وكلمات الإطراء الوهمية، حتى إذا ما واجه المجتمع صُعق بأنه مجرد فرد عادي لن يشفع له سوى عمله وجده واجتهاده. ومن الناس من تتحول فيهم عقد النقص إلى جرح غائر بسبب صدمة عاطفية أو أمر خارج عن إرادته أو إرادتها.
والحل لهذه العقدة، في عدم الإفراط في الكمالية، واعتدال التربية، واستبدال ردود الفعل السلبية بإيجابية. ومن الحكمة ألا يقارن المرء نفسه بما وصل إليه الآخرون، بل بأهدافه وطموحاته.
النقص هو أصل تحديات البشرية. فمعظم مساعينا هي محاولات لردم هُوة الشعور بالنقص سعياً نحو الاقتراب من الكمال. لكن الكمال لله وحده.