سبنسر بوكات ليندل
TT

إلى أي مدى يجب أن تقلق بشأن جدري القردة؟

في 22 مايو (أيار)، عندما وصف الرئيس بايدن التفشي العالمي لمرض جدري القردة، وهو مرض قريب الشبه من الجدري لكنه أقل فتكاً، بأنه ظاهرة «يجب أن تقلق الجميع»، جرى تأكيد 109 حالات في 14 دولة خارج تلك التي ينتشر فيها الفيروس عادة، بما في ذلك الولايات المتحدة. وبحلول 31 مايو، ارتفعت هذه الأرقام إلى ما يزيد قليلاً على 600 حالة مؤكدة في 26 دولة.
وصفت منظمة الصحة العالمية، التي اختارت صفة أقل وضوحاً مما قد يرغب البعض، مخاطر تفشي المرض على الصحة العامة العالمية بأنها «معتدلة». لكن المراسل العلمي السابق لصحيفة «تايمز» البريطانية، دونالد ماكنيل جونيور، استخدم وصفاً لطالما استخدمته المنظمة العالمية في وصف العديد من الأوبئة قائلاً إن «جدري القردة هو بالفعل جائحة».
كيف يختلف خطر جدري القردة عن تهديد فيروس «كورونا»، وما الأسئلة المتعلقة به التي لا تزال بحاجة إلى إجابة، وما الذي يجب فعله الآن لاحتوائه؟ إليكم ما يثار في الوقت الحالي.
ماذا يعتقد العلماء أنهم يعرفونه؟ اكتشف المرض لأول مرة في قرود المختبرات في عام 1958، وقد تسبب جدري القردة حتى وقت قريب في إصابة نحو 19 ألف حالة في البشر منذ عام 1970، غالبيتهم في وسط أفريقيا وغربها. وفي حالات التفشي السابقة، غالباً ما أصيب الناس بالفيروس عن طريق الاتصال الوثيق بالقوارض المصابة.
ما يجعل هذا التفشي مختلفاً هو أنه يبدو أن هناك انتقالاً يحدث بين أشخاص ليس لديهم تاريخ في السفر إلى المناطق الموبوءة، ولا أي اتصال واضح مع الأشخاص أو الحيوانات المعروف أنها مصابة، مما يشير إلى انتشار في مجتمع لم يتم اكتشافه.
كيف يبدو جدري القردة: تظهر أعراض جدري القردة في المتوسط في غضون سبعة إلى 14 يوماً من التعرض للعدوى، ولكن يمكن أن تستغرق ما يصل إلى ثلاثة أسابيع، وفقاً لـ«مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها». يبدأ المرض عادة بحمى وصداع وآلام في العضلات وآلام في الظهر وقشعريرة وإرهاق وتضخم في الغدد الليمفاوية. في غضون يوم إلى ثلاثة أيام من ظهور الأعراض، يصاب المرضى بطفح جلدي يتطور إلى آفات وبثور مؤلمة تستمر ما يقرب من أسبوعين إلى أربعة أسابيع قبل أن تتقشر البثور وتتساقط.
ورغم أنه قد لوحظ أن أحد أنواع جدري القردة لديه معدل إماتة يصل إلى 10.6 في المائة، فإن النوع المنتشر الآن في العالم هو الأقل فتكاً، حيث يقترب معدل وفيات الحالات من 1 في المائة إلى 3.6 في المائة. وحسب ما يشير إد يونغ في مجلة «The Atlantic»، فقد تم العثور على هذه المعدلات في سكان الريف الفقراء إلى حد كبير، ومن المرجح أن تكون أقل في الأماكن ذات الموارد العالية. وكما أظهر «كوفيد»، يجب ألا يكون المرض قاتلاً ليكون مدمراً للصحة الفردية والعامة.
كيف يختلف جدري القرود عن «كوفيد»: على عكس فيروس «كورونا» الذي يتكون الجينوم الخاص به من الحمض النووي الريبي أحادي الشريطة، فإن جدري القردة هو فيروس «دي إن إيه» مزدوج الشريطة. تميل فيروسات الحمض النووي إلى أن تكون أكبر حجماً وأكثر تعقيداً، ويُعتقد تقليدياً أنها تتطور ببطء أكبر.
ناهيك عن وجود فترة حضانة أطول من فيروس «كورونا»، يبدو جدري القردة - على الأقل كما لوحظ في حالات التفشي السابقة - أقل عدوى بكثير من المتحورات الحديثة لفيروس «كورونا»، ولكن لم يجرِ تحديد مدى انتشار هذا النوع من جدري القردة.
لا يعتقد مسؤولو الصحة العامة أن الأشخاص ينقلون الفيروس من دون أن تظهر عليهم الأعراض، وفقاً لما ذكرته جينيفر ماكويستون، نائبة مدير قسم مسببات الأمراض وعلم الأمراض في «مركز السيطرة على الأمراض». ومع ذلك، أفادت بأن هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول هذا السؤال.
كيف يتم علاج جدري القردة: رغم وجود العديد من العلاجات للجدري التي يمكن أن تثبت فاعليتها في التعامل مع جدري القردة، فإنه لم تجرِ دراسة أي منها بشكل شامل لهذا الغرض على البشر.
ومع ذلك، هناك لقاحان للجدري يوفران حماية متبادلة؛ أحدهما له آثار جانبية أقل خطورة تمت الموافقة عليه في الولايات المتحدة في عام 2019... (كبار السن الذين تم تلقيحهم قد يظلون محصنين). يمكن أن تمنع لقاحات الجدري ظهور المرض إذا تم إعطاؤها في غضون أربعة أيام من الإصابة.
لا يتوفر أي من اللقاحين على نطاق واسع للجمهور، رغم أن بعض الدول الأوروبية توصي بالتطعيم للأشخاص الذين يعانون من التعرض المباشر. كما تعرض أربع ولايات أميركية على الأقل لقاحات للمخالطين المعرضين للخطر؛ تم الإبلاغ عن ظهور تسع حالات.
وبالنظر إلى أن جدري القردة كان موجوداً منذ عقود، فإن العلماء يتسابقون لتحديد سبب انتشاره العالمي الجديد: هو مزيج من التغيير السلوكي البشري والحظ السيئ، أو التحور الفيروسي المحتمل الأكثر إثارة للقلق.
الإجابة عن هذا السؤال معقدة بسبب حجم جينوم جدري القردة، مما يجعل تحليله أكثر صعوبة من فيروس «كورونا». وحسب الباحث ماكس كوزلوف في دورية «Nature»، لا يزال الباحثون يحاولون تحديد الجينات المسؤولة عن التفاوت في معدل الوفيات بين نوعي جدري القردة بعد أكثر من 17 عاماً من اكتشافه. غير أن البحث تعثر بسبب نقص الاهتمام والتمويل رغم التحذيرات من تزايد احتمالية انتشار فيروس جدري القردة الوبائي.
يشير التسلسل الأولي إلى أن الفيروس المتداول الآن قد خضع لـ47 تغييراً في «النوكليوتيدات» منذ عام 2018، وهو أكثر بكثير من المعدل المتوقع من واحد إلى اثنين كل عام. في هذا السياق، قال تريفور بيدفورد، عالم الفيروسات في «مركز فريد هاتشينسون للسرطان» في سياتل الأميركية، عبر «تويتر»، إنه «من غير الواضح ما إذا كان هناك أي مكون وراثي من شأنه أن يسهل انتقال فيروسات التفشي الحالي من إنسان إلى آخر مقارنة بالانتشار السابق لجدري القردة، لكن هذه الطفرات الـ47 تشير على الأقل إلى احتمال حدوث ذلك».
تشير التفسيرات الأخرى إلى عودة رحلات الطيران العام الحالي، علاوة على التراجع الطويل المدى في التطعيم ضد الجدري، الذي تم القضاء عليه في عام 1980. وحسب توثيق إحدى المقالات الدورية الأخيرة، فقد زاد كل من عدد الحالات ومتوسط عمر المرضى على مدى عقود، وهو ما توافق مع طرح وقف اللقاح.
في السياق ذاته، قال جو والكر، الباحث في «كلية ييل للصحة العامة»، لمجلة «وايرد»، «ربما تكون سلسلة عشوائية من الطفرات في الأشهر القليلة الماضية هي التي أدت إلى حدوث كل هذا. أو ربما أصبحنا سيئي الحظ وشق جدري القردة الآن طريقه إلى مركز سكاني رئيسي، وركب الطائرة وبدأ المرض في التفشي، بدلاً عن السيطرة عليه».
هل ينتقل مرض جدري القردة عن طريق الاتصال الجنسي؟ تم تحديد غالبية الحالات المؤكدة في هذا التفشي حتى الآن لدى الرجال المثليين، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ومن المحتمل أن يعود السبب إلى تجمع «Pride» الذي ضم آلاف المثليين في جزر الكناري وكذلك حمامات الساونا في مدريد.
حذر العديد من الخبراء من التكهنات بأن الفيروس ينتقل بشكل أساسي من خلال السائل المنوي أو الجنس الشرجي، رغم ذلك: كما يشير يونغ، فإن الجنس ينطوي على اتصال وثيق طويل الأمد، وهو الطريقة التي ينتشر بها الفيروس بشكل طبيعي. وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن العدد غير المتناسب للحالات المؤكدة بين الرجال المثليين يشير إلى أن ثمة صلة قوية بين هذه الممارسة ومستوى الخدمة الطبية مقارنة بعدد السكان في الدول التي ظهرت فيها هذه الحالات.
هل ينتقل عن طريق الجو؟ من المعروف أن جدري القردة ينتشر من خلال ملامسة الجلد للجلد، والمواد الملوثة مثل الملابس والفراش، والرذاذ التنفسي، لكن يظل من غير الواضح ما إذا كان يمكن أن يظل في الهواء. ذكر لويس سيغال، الخبير في فيروسات الجدري بجامعة توماس جيفرسون في فيلادلفيا بأميركا في تصريح لصحيفة «التايمز»، أنه نظراً لأن جدري القردة أكبر وأثقل من فيروس «كورونا»، فلن يتمكن من الانتقال بعيداً في الجو. لكن لينسي مار، الخبيرة في انتقال الفيروس عبر الهواء، عارضت هذه النظرية على موقع «تويتر».
ومن جانبه، قال بوغوما كابيسين تيتانجي، الطبيب بجامعة إيموري، «لقد رأيت الكثير من الأشخاص يكتبون كما لو أن ما نعرفه عن جدري القردة نهائي، لكن الحقيقة هي أنه لا يزال عدوى نادرة حيوانية المنشأ. لا يمكننا استخدام ما حدث مع حالات تفشي مرض جدري القردة السابقة للإدلاء ببيانات مؤكدة. فالدرس الذي تعلمناه من تجربتنا مع (كوفيد) هو أنه يجب أن نتحلى بالتواضع».
* خدمة «نيويورك تايمز»