علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

حيرة

أؤمن مثل غيري بأن البنوك ليست جهات خيرية وإنما هي شركات أنشئت من أجل الربح، وأنا أحد المنافحين والمدافعين عن أرباح البنوك، إذ مرت فترة كان الجميع ينادي بضرورة أن تقوم البنوك بدور خيري أكبر مما تقوم به دائماً وكنت أقول بصفة دائمة إن البنوك السعودية لم تتخلَّ عن هذا الدور وذلك من خلال قيامها ببعض المسؤوليات الاجتماعية وهذا يكفي.
مؤسسو البنوك أو من يقومون بشراء أسهمها يتوقعون أن تربح البنوك لتصرف لهم عائداً يعيشون منه أو ليتعاظم سعر السهم السوقي، الربح الأساسي للبنوك يأتي من الإقراض، فالبنوك تجمع الودائع ثم تقوم بالإقراض وفق هامش ربح تحدده السوق.
السعودية كانت تعاني من وجود النقد في جيوب الناس أو في منازلهم فسعت إلى إخراج هذا النقد من جيوب الناس ومنازلهم إلى البنوك عبر طرق عدة منها تشجيع الناس على استخدام بطاقات الائتمان أو بطاقات الصراف الآلي والتي تعرف في السعودية بنظام «مدى»، وأصبحت أجهزة الاقتطاع من البطاقات موجودة لدى أصغر بائع في المملكة العربية السعودية، وهذا نظام رائع يغنيك عن حمل النقد في جيبك، وأنتم أيضاً قراءنا الكرام تعرفون مدى خطورة حمل النقد فقد يُقتل المرء طمعاً في النقد الذي يحمله.
الغريب في الأمر أن البنوك رغم حرصها على النقد فإنها تفرض عمولات أراها عالية على التحويلات، طبعاً البنوك تعفي عملاء التميز من العمولات. أنا هنا أتكلم عن ذوي الدخل المحدود أو الدخل المتوسط، فحينما أريد أن أحول مبلغ عشرة آلاف ريال وتأخذ مني رسوماً ولنقل خمسة ريالات فإنني سأقوم بسحب العشرة آلاف نقداً ومن ثم الذهاب لبنك آخر لأودعها فيه أو إلى منزلي فأقوم بحفظها والصرف منها، ولا يخفى على أحد مدى خطورة الاحتفاظ بالنقد في المنزل ولعل أقلها خطورة هو تعرض هذا النقد للسرقة.
وفي رأيي أن البنوك بدلاً من أن تربح من هذه الرسوم فإنها تخسر، فعلى سبيل المثال، إذا أصبح النقد متداولاً فإن البنوك في كل صباح ستفتح الخزنة البنكية عبر شخصين وتسلم المبالغ النقدية إلى الصرافين الذين يقومون بدورهم بإعطاء كل من يطلب نقداً، ومن المعروف أن البنك المركزي الذي يدير نظام الحوالات يأخذ رسوماً على الحوالات وعلى المشتركين في النظام، وأرى أن من واجب البنوك أن تتحمل هذه التكاليف لكي تجعل تناقل النقد بين الناس رقمياً بحيث يأتي يوم لا نرى في الخزنة سوى النقد الأجنبي القابل للتبديل لأغراض السفر مثل الدولار واليورو وغيرها من العملات.
أرى أن هناك تعارضاً حاداً بين التشجيع على عدم حمل النقد وفرض الرسوم على الحوالات، فإذا فرضت عليّ رسوماً فإنني سآخذ أموالي نقداً، أما إذا خفضت الرسوم أو ألغيتها فإنني سأتعامل بالحوالات بدلاً من النقد وبعض هذه الحوالات تتم عبر الحاسب الآلي من منزل المودع، بمعنى آخر أنها لا تكلف البنك أي رسوم إدارية أو على الأكثر ستكون التكلفة زهيدة جداً لأن العميل هو من يقوم بأدوار موظف البنك.
أرجو من المشرع السعودي أن ينظر في مثل هذه العمولات ويخفضها على الأقل أو يجعلها في الحد الأدنى، حتى نكدس الودائع لدى البنوك لتقوم بإقراضها والاستفادة منها، ويصبح تناقل الأموال بين الأفراد والشركات ورقياً وعبر الدفاتر لا عبر حمل النقد، وأعتقد أن هذا الأمر قابل للتطبيق لأن البنوك ستجد مصادر أخرى غير فرض الرسوم على عملائها. ودمتم.