أحمد محمود عجاج
TT

لماذا خسر رئيس وزراء باكستان عمران خان السلطة؟

عندما شعر رئيس وزراء باكستان عمران خان، أن أيامه في السلطة أصبحت معدودة، صرح بأن حياته في خطر، وأنه ضحية مؤامرة حيكت خيوطها في لندن، وأكد أنه لا يخاف هؤلاء المتآمرين لأن الشعب معه؛ ولكي يثبت ذلك حل البرلمان لكي يقرر الشعب من يريده حاكماً.
لم تنطل على قادة المعارضة المحنكين المناورة فرفضوا حل البرلمان، وطرحوا الثقة بحكومته بعد أن أبطلت المحكمة الدستورية قراره بحل البرلمان. كان عمران خان يدرك أن خروجه من السلطة أصبح محتماً، لأن حزبه «تشريق إنصاف» رغم نيله 115 مقعداً في البرلمان لا يملك الأغلبية، وأن بقاء حكومته الائتلافية يعتمد على تأييد أحزاب صغيرة؛ هذه الحكومة لم تصمد عند أول هزة، فخرج من السلطة ليكون أول رئيس وزراء في باكستان يخسر الثقة في البرلمان. ويبقى السؤال: لماذا تخلت عنه تلك الأحزاب، وهل هو فعلاً ضحية مؤامرة تقف وراءها أميركا؟!
ثمة رأيان في هذا الصدد: الرأي الأول، يرى أن عمران خان لم يفهم التوازنات الداخلية في البرلمان، وأنه بتصرفاته هدد مصالح المؤسسة العسكرية، ولم يتمكن من معالجة الاقتصاد، ولا مواجهة العائلات الاقطاعية؛ الرأي الثاني يقول إنه اعتمد سياسات خارجية غيّرت طبيعة التحالفات التقليدية لباكستان، ونهج خطاً معادياً، ولو بمواربة، للولايات المتحدة، مما أدى إلى ارتدادات هذا النهج عليه من خلال تكاتف الخارج والداخل لإسقاطه.
على الصعيد الداخلي، كان الخطأ الأكبر كسبه عدوات أكثر من الأصدقاء، لأنه تصرف وكأنه يملك الأكثرية في البرلمان مما حال دون قدرته على تمرير مشاريع إصلاحية تعتبر من صلب برنامجه مثل محاربة الفساد، وتحرير البلاد من هيمنة الإقطاع السياسي؛ ففي باكستان توجد أربع كتل تهيمن على الحياة السياسية هي: عائلتا بوتو وشريف، والمؤسسة العسكرية والأحزاب الإسلامية. هذه التكتلات يرتبط بعضها مع بعض بمصالح، وليس من السهل تفكيكها، ولذلك فإن أسلوبه في السلطة بتجاهل البرلمان، وإبعاد الحلفاء، وتغيير الموظفين الكبار، عزز وجودها ومصالحها؛ وبسبب ذلك تحول إعلانه الحرب على الفساد إلى شعار، ولم يستطع أن يخصص في الميزانية ما يحتاجه من أموال لتحقيق إصلاحاته الاجتماعية فاضطر أن يلجأ لصندوق النقد الدولي، فكانت النتيجة ارتفاعاً كبيراً في أسعار الكهرباء والغاز، وإرهاق الطبقة الوسطى والفقيرة؛ كما أنه عيّن، بضغط من زوجته، وفقاً لما يتداول، عثمان بوزدار حاكماً لإقليم البنجاب، رغم قلة خبرته، ورغم أهمية هذا الإقليم الذي يعتبر المفتاح الرئيسي للفوز في أي انتخابات برلمانية. هذا التعيين أغضب المؤسسة العسكرية، وسمح لمنافسه زعيم المعارضة شبهاز شريف، أن يتهم علانية عثمان بوزدار بأنه يمثل بقرة حلوب لزوجة عمران خان وزوجها السابق ونجلها الذين استفادوا من عقود تجارية في البنجاب؛ هذه الاتهامات أدت إلى انشقاقات داخل حزب عمران خان، كان أولهم الذين وظفهم عمران خان كمستشارين لخبرتهم كمفاتيح انتخابية، وبعضهم ترشح على لائحة حزبه؛ هؤلاء لا يدينون بالولاء إلا لمصالحهم ويقفزون من المركب عند أول هبة ريح.
على الصعيد الخارجي كانت أخطاء عمران خان لا تقل خطورة عن تلك في سياسته الداخلية؛ فهو أراد أن يمارس سياسة خارجية لا تنسجم مع الخيارات التقليدية لباكستان، وأهمها التحالف مع الولايات المتحدة، ومع دول شرق أوسطية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات؛ فعمران خان كانت له رؤية أن البقاء مع الولايات المتحدة لا يخدم باكستان، واعتبر أن اعتماد بلاده على مساعدات أميركا الخارجية كارثي، يرقى إلى مستوى الاستعمار؛ كما أنه وجّه انتقادات بعد انتصار «طالبان»، للولايات المتحدة. كل هذا أزعج الإدارة الأميركية، مما حمل القيادة العسكرية الباكستانية على تطمينها أن السياسة الخارجية أو الدفاعية لباكستان يقررها الجيش. ومما زاد الطين بلة أن عمران خان انفتح على إيران، وعزز علاقاته التجارية والسياسية مع الصين، ضارباً بعرض الحائط كل التحذيرات من المعارضة ومن المؤسسة العسكرية.
هذا التحول أزعج الولايات المتحدة التي تعمل على منع صعود الصين، وعلى محاصرة إيران؛ كما أنه زار روسيا يوم دخول قواتها إلى داخل أراضي أوكرانيا، وأعلن في الأمم المتحدة حياد باكستان، رافضاً أن يقف ضد روسيا أو مع الولايات المتحدة. هذا الموقف دفع الخارجية الأميركية للتحذير عبر القنوات الدبلوماسية من تبعات سياسات عمران خان على العلاقة مع حكومته؛ وبدلاً من أن يتفهم خان الموقف صعد العداء، لأنه رأى بذلك مصلحة له لتعزيز موقفه بأنه وطني في مواجهة المعارضة المتخاذلة والمتعاونة مع أميركا؛ هذا التصرف دفع الولايات المتحدة للتقارب أكثر مع المعارضة التي رأت في التأييد الخارجي لها دفعاً قوياً لإطاحته.
هذا التوجه الفاقع لعمران خان في السياسة الخارجية والمخالف لتوجهات الجيش الباكستاني، تأزم أكثر عندما حاول خان، كما يُزعم، رفض التجديد لرئيس أركان الجيش باجوا، وعزمه على تعيين رئيس المخابرات الأسبق المقرب منه فايز حميد قائداً للجيش الباكستاني؛ بهذا التصرف فإنه تدخل في أمور المؤسسة العسكرية، وهو ما يُعتبر خطاً أحمر كانت نتيجته في الماضي إطاحة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، عندما حاول إزاحة الجنرال مشرف عن القيادة بمنع طائرته من الهبوط في المطار بعد عودته من مهمة خارجية.
هذان العاملان الداخلي والخارجي كانا وراء خسارة عمران خان للسلطة؛ فعمران خان أخطأ في ترتيب أولوياته داخلياً، وخاطر باللعب على توازنات دولية حساسة، وضرب تحالفات تقليدية وحيوية لباكستان؛ وظن أنه قادر على تجاوز المؤسسة العسكرية التي كانت سبباً في وصوله للسلطة، واستخف بالإقطاع السياسي وقدراته؛ وهكذا لم يبق أمامه بعد خسارته إلا استنهاض الفقراء، وإظهار المظلومية بأنه ضحية مؤامرة أميركية كبرى.