أرسل نحو ثلاثين من أعضاء الكونغرس رسالة الأسبوع الماضي إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بشأن «مراجعة وتقييم العلاقة الأميركية - السعودية»، وطلبوا أن تتم «إعادة ضبط» تلك العلاقة في ضوء أزمة اليمن وأزمة أوكرانيا، ومواضيع أخرى.
وتظهر الرسالة جهلاً غير قليل بالتطورات في اليمن وبمبادرات المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب. أما توقيت الرسالة فهو في غاية الغرابة، ففي حين تخطب الإدارة الأميركية ودَّ أعدائها وخصومها، بما في ذلك إيران وفنزويلا، لحشد الدعم لأوكرانيا، تسعى رسالة أعضاء الكونغرس إلى إيجاد شرخ في علاقة أميركا بأحد أهم وأقدم شركائها ممن تحتاج إليهم خلال هذه الأزمة.
رسالة أعضاء الكونغرس، التي نشرت في 13 أبريل (نيسان)، تتحدَّث عن «حرب قاسية» في اليمن، وترمي بالمسؤولية عن استمرارها على السعودية، في حين أن الحربَ توقفت وأعلنت الأمم المتحدة الهدنة في 1 أبريل، أي قبل الرسالة بـ12 يوماً، فضلاً عن أن ثمة إجماعاً في المجتمع الدولي هذه الأيام بأن مسؤولية إطالة أمد الحرب تقع على عاتق الحوثيين، وليس على طرف الحكومة الشرعية أو السعودية. بل إنَّ المملكة هي من بادر بإعلان هدنة من جانب واحد تمتد طيلة شهر رمضان، ومكّنت بذلك المبعوث الدولي من تحويلها إلى هدنة لمدة شهرين متفق عليها من الأطراف كافة.
ومن المؤكد أيضاً أن المملكة قدمت خلال السنوات الماضية عدداً من المبادرات لإنهاء الحرب، من أكثرها شمولاً مبادرة مارس (آذار) 2021، التي لم يستجب لها الحوثيون. ويعتقد الكثيرون أن الميليشيات الحوثية، على الرغم من قبولها للهدنة الأخيرة، ما زالت تخطط لحل عسكري للأزمة تعتقد أنها من خلاله ستتمكن من فرض إرادتها بالقوة من دون أن تجلس على طاولة المفاوضات للوصول إلى حل سياسي.
ومما يُظهر مسؤولية الحوثيين أنّهم رفضوا مقابلة المبعوث الأممي الحالي هانز غرُندبرغ لمدة ثمانية أشهر، منذ تعيينه في هذا المنصب في أغسطس (آب) 2021، إلى الأسبوع الماضي حين قابلوه للمرة الأولى. وبالمثل كانوا متعنتين من المبعوثين الأمميين السابقين، بل حاولوا اغتيال إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وزير خارجية موريتانيا حالياً، في مطار صنعاء. وبالمقابل، تعاطت المملكة العربية السعودية بإيجابية مع المبعوثين كافة منذ بدء الأزمة الحالية في عام 2014.
وتلوم الرسالة السعودية على «منع دخول المساعدات الإنسانية إلى ميناء الحديدة»، في حين أنه لم يكن هناك منع لدخول تلك المساعدات، فقط إجراءات أمنية لضمان عدم احتوائها على مواد محظورة بموجب قرار مجلس الأمن 2216، وقد تم تخفيف تلك الإجراءات وزادت حركة الميناء في إطار الهدنة التي أُعلنت في بداية الشهر، وهو ما أكدته الأمم المتحدة في حينه.
من ناحية أخرى، فإن المشاورات اليمنية التي عُقدت برعاية مجلس التعاون ما كان لها أن تنجح من دون دعم دول مجلس التعاون لها، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تتولى رئاسة المجلس هذا العام. فعلى مدى عشرة أيام (29 مارس إلى 7 أبريل) انخرط مئات من اليمنيين في تلك المشاورات التي عُقدت في العاصمة السعودية، وشارك فيه قيادة ومعظم أعضاء مجلسي النواب والشورى، وقادة السلطة القضائية، والحكومة اليمنية بكامل أعضائها، فضلاً عن مئات من ممثلي المكونات السياسية والمستقلين من أطراف اليمن كافة. وكان هدفهم الرئيسي هو التوصل إلى آلية لإنهاء الحرب وإنقاذ اليمن. ووافقت السعودية على دعوة الحوثيين، إلا أنهم تخلفوا عن الحضور.
أما توقيت الرسالة فقد أظهر أن معديها لم يعيروا اهتماماً للمشهد الدولي ولجهود الولايات المتحدة لطلب دعم جميع دول العالم، بمن فيهم خصوم ألداء لأميركا، للتصدي للأزمة الأوكرانية. فمما يقوض تلك الجهود أن يسعي أعضاء الكونغرس في هذا الوقت بالذات إلى إضعاف العلاقة الأميركية مع أحد أقدم وأهم شركائها.
سواء نظرت إلى الأمر من منظور الدبلوماسية العامة أو السياسة الحقيقية، فإن الدول تسعى خلال الأزمات إلى حشد الدعم من الجميع، بغض النظر عن التباين في وجهات النظر أو حتى الخلافات الأكثر عمقاً. فمثل هذه الخلافات أمرٌ طبيعي في شراكة عميقة عمرها نحو تسعة عقود. ومما لا شك فيه أن لدى كل من الطرفين مطالبَ أو عتباً أو أكثر من ذلك على الطرف الآخر، ولكن يمكن التعامل مع تلك القضايا من خلال لقاءات مباشرة، وليس من خلال الإعلام أو الرسائل المفتوحة، خاصة خلال الأزمات، فلدى الجانبين قنوات لا حصر لها للحوار.
أشارت الرسالة كذلك إلى طلب الجانب الأميركي زيادة إنتاج البترول. وغفلت عن أن البترول بالنسبة للمملكة ما زال عصبَ اقتصادها؛ ولذلك فإن القرارات المتعلقة بإنتاجه وتصديره يتم اتخاذها بكثير من العناية والحذر، ويدخل فيها الاعتبارات الاستراتيجية، واستقرار أسواق النفط، وصحة الاقتصاد السعودي والعالمي على المدى الطويل، فضلاً عن التزاماتها في إطار منظمة «أوبك» و«أوبك بلس».
ولا شك أن عدم وضوح السياسة الأميركية في المنطقة مؤخراً، واهتزاز الثقة لدى البعض في استعداد أميركا لتنفيذ التزاماتها السابقة، يؤثران على القرارات التي يتخذها الشركاء للحفاظ على مصالحهم الاستراتيجية. ولهذا؛ فإن «إعادة الضبط» المطلوبة تتطلب دراسة المكونات الأساسية للشراكة الأميركية - السعودية. فلا شك أن الولايات المتحدة قامت بدور كبير، ولا تزال، في الحفاظ على أمن الخليج العربي والمنطقة بشكل عام، من دون الاعتماد على معاهدات رسمية بين الأطراف، على غرار اتفاقياتها مع «ناتو» واليابان وكوريا وغيرها. وفي عام 2015 تم الإعلان عن «الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومنظومة مجلس التعاون» من دون أن يكون هناك اتفاقية رسمية بينهما. لكن ربما حان الوقت الآن للنظر في وضع إطار استراتيجي جديد لهذه الشراكات، يتم من خلاله تحديث وتعزيز التعاون الاستراتيجي - بما في ذلك التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي - القائم حالياً. ويكون هذا الإطار خطوة نحو التزام واضح وقوي مبني على معاهدات رسمية. وحينما يحدث ذلك، فسوف يُنظر إلى هذه الشراكة من منظور مختلف، يمكن أن تكون التضحيات فيه - من الجانبين - أكبر وأكثر قابلية للتوقع.
7:47 دقيقة
TT
رسالة أعضاء الكونغرس بشأن السعودية: خطأ في التوقيت وجهل بالواقع
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة