فريدريك كوفمان
TT

لماذا لا نستطيع فهم قصتنا عن «كوفيد» مباشرة؟

مع اقتراب جائحة فيروس كورونا من نهايتها - حيث إن «النهاية» نفسها عبارة عن مصطلح أدبي فني - قد نعتقد أننا نعرف قصة الفيروس برمتها. لقد طغى الفيروس على الأخبار، وغمر وسائل الإعلام من جميع الأنواع والأنماط. لكن المعلومات ليست قصة. وأيضاً، فإن التعليقات على «فيسبوك»، ومقاطع الفيديو على «تيك توك»، وإحصاءات الوفيات والإقامة في المستشفيات، ليست كذلك.
يقول المؤرخ يوفال نوح هراري، إن القصص تشكل أهمية أساسية للتجربة الإنسانية، والمفتاح إلى معرفة لماذا انتقل الإنسان العاقل إلى حكم العالم: كتب السيد هراري في كتابه المعنون «الإنسان العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري» يقول «مكننا الخيال الروائي من تصور الأشياء، وربما من القيام بمختلف الأمور بشكل جماعي». كيف سننظر في أمر هذه الواقعة من التاريخ البشري؟ ماذا سوف نستخلص منها؟ ومن أجل التفاهم مع ما حدث - الخسائر، والمخاوف، والجنون التآمري، والعزلة، والصراع السياسي، وكل ما تبقى - سوف يحتاج «كوفيد» إلى قصته الخاصة. فكيف ستكون حبكة «كوفيد»؟
إحدى مشاكلنا أنه ليس لدينا لغة مشتركة أو فهم مشترك لما مررنا به للتو. والقصة منتشرة، وانتشرت البطولة بين الآلاف من الأطباء والممرضات والعاملين في المجال الطبي، وانتشرت الآلام والتضحيات بين الجيران والضحايا والمتطوعين. إن الأشرار ليسوا وحوشاً أو شياطين، بل إنهم تقلبات علم الأحياء والعادات القبلية القديمة التي تركتنا غاضبين أو غير عابئين. بالنسبة لأكثرنا، لم تكن هناك أي دروس مجازية أو ميتافيزيقية تعلمناها. هل هجرنا السرد الروائي أخيراً؟
العديد من المحاولات التي تمت حتى الآن لتصوير الوباء في سطور القصص، على سبيل المثال - غاري شتينغارت «أصدقاء بلدنا: رواية»، برنامج «مورنينغ شو» من «أبل تي في بلس»، والفيلم الوثائقي «الفقاعة» للمخرج جود أباتو - هي في صميم الأعمال الكوميدية المنزلية أو في أماكن العمل، وهي عبارة عن لقطات من الحياة تشبه المهازل التي تتراقص فوق مشاعر الرهبة والغضب الشائعة في كل مكان من الحاضر، والتي سيطرت على العالم خلال العامين الماضيين.
من الواضح أن هناك سوقاً لمثل هذه العروض: أربعة ملايين مشاهد تابعوا حلقة «الوباء الخاص» من مسلسل «ساوث بارك»؛ مما جعل الكوميديا المتحركة في أعلى تصنيف لها منذ من 7 سنوات. لكن هذه الأعمال الكوميدية قدمت بشكل عام الجائحة على خلفية القصة، وفشلت في حساب الشيء نفسه بشكل مباشر. إنها أعمال مجاورة لفيروس كورونا وليست حبكة الفيروس ذاته.
ثمة تغيير في حبكة «كوفيد»، تتمثل في سرد الطاعون، أي السرد المألوف من العهد القديم، الذي يُروى كل عيد فصح، حيث يظهر المرض والموت كعنصرين مأساويين، مع تجنيب أنقياء القلوب فحسب. ويقدم فيلم «سونغ بيرد» الذي أنتجه مايكل باي، والذي يدور حول أحد أفلام «كورونا» الزائفة، والذي يصور مرض «كوفيد - 23» في لوس أنجليس في مرحلة ما بعد نهاية العالم، نسخة حديثة من سرد الطاعون، حيث يجرف كل مصطلح مبتذل من الخيال العلمي، بما في ذلك الشرير الأكبر (بيتر ستورمير) والفتاة الإجبارية في المحنة (صوفيا كارسون نجمة قناة «ديزني»).
قد تساعد نسخة الجائحة من حبكة «كوفيد» في تفسير سبب ارتياب بعض الإنجيليين في التدخلات البشرية لمنع انتشار الفيروس، مثل اللقاحات والتباعد الاجتماعي. ولكن مع انخفاض معدلات الموت وتراجع الكمامات - وتأجيل الابتهاج ونهاية العالم مجدداً - قد يكون من الصعب الحفاظ على سردية انتقام الرب.
منذ ظهور الفيروس في ووهان بالصين، كان لقصته عنصر خيال قوطي، يعج بالأسرار المخربة والعلماء المجانين وأشرار البشر. لقد صار هذا النوع من «مؤامرة كوفيد» ملكاً لمُنظري المؤامرة، أولئك الذين يرون الفيروس نتيجة لتجاوزات واعية، حيث أصبح الوباء «بلانديمك، أو الجائحة المخطط لها». والواقع أن هذا السرد محموم وبسيط في آن واحد، حيث يستخدم أوغاد القصص الهزلية الرقائق الدقيقة والخطط الرئيسية. ربما يشبع ذلك الرغبات الأولية، لكنه يعتمد على الكثير من الحقائق الواضحة، ولا يتلاءم مع الكآبة اليومية لهذا الوباء الذي دفع العديد منا إلى حافة الهاوية.
من الممكن أننا متلهفون لنسيان الصدمة التي حدثت في السنتين الماضيتين بحيث إن الأعمال الثقافية في زماننا سوف تحذفها من ذاكرتنا الجماعية. وفي الواقع، فإن العديد من البرامج التلفزيونية التي أنتجت خلال الجائحة تجاهلت الأمر.
هناك سابقة تاريخية لهذا: عدوى عالمية أخرى سيئة السمعة لم تترك أثراً كبيراً على المشهد الثقافي. صُعق العالم بالدمار الذي خلفته الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918، لكن ذلك القاتل الضخم الذي حصد أرواح أكثر من 50 مليون نفس كان غائباً نسبياً عن الروايات والأفلام والمسرحيات والأغاني التي شهدها ذلك العصر، وهي الظاهرة التي تزعم الكاتبة لورا سبيني أنها «تمثل النسيان الجماعي لأعظم مذبحة في القرن العشرين». وعلى النقيض من هذا، فإن الحروب تلوح دوماً في الأفق في مخيلتنا الثقافية، والحرب العالمية الأولى، التي رغم ضريبتها المروعة حصدت من الأرواح قدراً أقل بكثير مما حصدته الإنفلونزا الإسبانية، ألهمت كلاسيكيات أدبية مثل «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»، و«سوف تشرق الشمس»؛ فضلاً عن أشعار ويلفريد أوين وسيغفريد ساسون؛ وموسيقى بنيامين بريتن وغوستاف هولست.
تذكر السيدة سبيني في كتابها المعنون «الحاصد الباهت: الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918 وكيف غيرت العالم» بقولها «نتذكر الإنفلونزا الإسبانية بصفة شخصية، وليست بصورة جماعية. لا نتصورها ككارثة تاريخية، بل كملايين من المآسي الخاصة المنفصلة». ولعل أولئك الذين عاشوا خلال هذا الوباء ببساطة لم يكن لديهم أدوات السرد التي تمكنهم من سرد قصته بشكل إجمالي. وطبقاً للسيدة سبيني، فإن مثل هذا الحدث «يستلزم مقاربة مختلفة لسرد القصص».
من البديهي أن بعض التجارب هي ببساطة مؤلمة جداً لتذكرها. وكما كتب مؤخراً طبيب الأعصاب سكوت سمول، فإن ميل العقل إلى نسيان التجربة المروعة بدلاً من الاستغراق فيها هو آلية دفاعية جوهرية: فهو «يحمينا من هذا القلق الموهن ليس بحذف الذكريات، بل بإسكات صراخها العاطفي داخلنا».