د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

إخفاء المعلومات في العمل

من أسوأ ما يواجه الناس في بيئات الأعمال «تعمد» إخفاء المعلومة عن بعض الموظفين. هذه معضلة عالمية. في أدبيات الإدارة يسمى ذلك «Information hoarding» وهي مشكلة حجب المعلومات؛ سواء كانت بتعمد أو بسبب سوء إدارة المعلومات. واقع الحال يقول إنه من الطبيعي أن تنقص معلومة معينة سرعان ما نحاول تفادي غيابها. لكن من غير الطبيعي أن يحمل شخص واحد معلومات جوهرية أو أساسية في معاملات المؤسسة وعملائها ومراجعيها.
ولذلك، فإن أول «اختبار» لكشف مشكلة إدارة المعلومات، يظهر حينما «تسقط» فيه المؤسسات فور ما يغادرها موظف «مهم» في إجازة طويلة ومعه معلوماته. فكثرة الاتصال به أو «التنقيب» في رسائله البريدية هو مؤشر سلبي على أن أحداً كان يحتكر المعلومة. وسواء كان ذلك مقصوداً أو غير مقصود، فإنه يظل مشكلة كبيرة لا تليق بالعمل المؤسسي. ويتمادى البعض في ذلك إن لم يجد رادعاً، أو عندما يتوهم أنه بذلك «الاحتكار» يقوي سلطته، أو أن أحداً لن يفصله. ويصبح الوضع لا يمكن السكوت عنه حينما تتكرر محاولات طلب المعلومات، وتزداد معها «صفاقة» تجاهل الطلبات! هنا يستدعي الأمر تدخلاً سريعاً لوضع حل دائم.
من الحلول الدائمة التأكد من أن جميع المعلومات متاحة للموظفين، وأن أي اجتماعات مع أطراف خارجية لا بد أن يحضرها شخصان على الأقل. وكلما زادت أهمية المعلومات في العمل زادت معها الحاجة إلى توفرها لدى آخرين معنيين بها. كما لا ينبغي أن يكافأ من يحجب المعلومات، والأفضل مكافأة الأكثر سخاءً بمعلوماته، ‏فهو يقدم خدمة جليلة للأجيال المقبلة والصف الثاني تحديداً، الأمر الذي يضمن ديمومة الإنتاجية، وتراكم الخبرات، والتألق في زمن قياسي.
ومن حق كل مدير أن يسأل مرؤوسيه، كُلاً على انفراد، عما ‏إذا كان يمكنهم الحصول على المعلومات بسهولة من زملائهم. ويجب أن يعرف الجميع أن هذا السؤال مشروع. وحبذا لو كان يوجه السؤال نفسه في كل اجتماع. وهناك حلول تكنولوجية عديدة ومتزايدة تضمن إلزامية تجميع المعلومة في مكان واحد بالمؤسسة، ونسخة منها في الخدمات السحابية التخزينية (cloud).
‏وقد تبين أن من أسباب ‏ميل الناس نحو مشاركة آخرين بمعلوماتهم، تلك الحالات أو المهام المعقدة ‏التي تتطلب ‏آراءً عديدة بحسب دراسة سابقة. واتضح أيضاً في دراسة أخرى أن زملاء العمل مستعدون لمشاركة زملائهم بمعلوماتهم ‏بأريحية، شريطة أن يكون الشخص بعيداً عنهم في السلم الإداري، بحسب مجلة «هارفارد ريفيو».
وقد لا ينتبه البعض إلى أن إخفاء أحد لمعلوماته التي عانى في سبيل تحصيلها، هو مؤشر على «توقف» تدفق المعلومات وتراخي صاحبها. فالموظف المتفاني لا يكف عن تعلم الجديد على مدار الساعة، ويفرح بجدية من يريد التعلم منه، فما يتعلمه يفوق بمراحل ما يُعلِّمه للآخرين.
إذن، مسألة «إخفاء» المعلومات يفترض أن تقض مضجع حابسها نفسه قبل الآخرين.