د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

ديمومة واختفاء الشركات العائلية

تشير الأرقام إلى أن نحو 70 في المائة من الشركات العائلية في العالم تصبح عرضة للتفكك عندما تصل إلى الجيل الثالث من أبنائها. سمعت هذه المعلومة في أحد المؤتمرات العالمية، وقد ذكرها أيضاً فهد علي الغانم، الرئيس التنفيذي لشركة علي الغانم للسيارات، عندما أعلن، قبل أيام، عن أول إدراج من نوعه في المنطقة لأسهم شركة سيارات. وتملك شركتهم امتياز وكالة كبرى شركات السيارات في العالم، مثل «بي إم دبليو»، و«رانج روفر»، و«رولز رويس»، و«ماكلارن»، و«ميني كوبر»، و«جيلي» الصينية.
البعض يعتقد أن إدراج الشركات العائلية عموماً ينم عن ضائقة مالية، وهو كلام غير دقيق. فالإدراج هو مرحلة نمو كبيرة تمر بها الشركات، ومن حق الملّاك الحاليين الاستفادة منها في تعظيم أرباحها، فالشركة قد بنيت على سواعد أبنائها. علاوة على أن «بعض» الشركات الخاصة، لا تتمتع بالضرورة بأجواء حوكمة رشيدة، أو لجان تدقيق داخلية وخارجية. ولكن ما أن تدرج وتصبح تحت أنظار العامة، هنا تتدخل الجهات الرقابية وتحمي مصالح صغار المساهمين وكبارهم. ولأن الجيل الثالث ربما يتخذ قرارات غير حكيمة فقد قال فهد الغانم إن الحكمة تقتضي «الاتعاظ بأخطاء الغير».
وعندما تدرج الشركات العائلية فإن المستفيد الأكبر هو المجتمع، لأنه سوف يضمن استمرارية أسطورة شركة لطالما أحبها وألف منتجاتها وخدماتها. ومن تلك المؤسسات أشهر شركات الكاكاو، والقهوة، والتجزئة، والأطعمة، والسيارات مثل «جنرال» وغيرها.
إذن الإدراج يحفظ الأسطورة التجارية للأسرة. وكذلك يحافظ على كوادرها القيادية، فكثير من الشركات استمرت قياداتها من الأسرة نفسها لعقود طويلة.
ويروى أن الاكتتابات العامة الأولية الـIPOs ظهرت مع بزوغ نجم سوق الأسهم، وكان الهولنديون أول من طرح أسهماً للاكتتاب العام من خلال شركة Dutch East India وذلك لجمهور المستثمرين في عام 1602.
ومن أشهر ذروات الاكتتابات «طفرة الدوت كوم»، وهي عندما تدافعت شركات الإنترنت الناشئة لطرح أسهمها في التسعينات. ثم خبا نجم الاكتتابات عموماً في الأزمة المالية العالمية عام 2008 ثم سرعان ما عادت بقوة عام 2010، ويبدو أننا سنشهد بعد شركة الغانم مزيداً من إدراجات أسهم الشركات العائلية في الخليج.
ومن أكبر الاكتتابات في التاريخ طرح نسبة ضئيلة من «أرامكو» النفطية السعودية التي جمعت 25.6 مليار دولار أميركي في عام 2019، تبع ذلك «علي بابا» لصاحبها الصيني الأصل، ثم «فيزا»، ثم «فيسبوك» و«جنرال موتورز».
وينطوي الإدراج على فوائد مهمة؛ منها أن الشركة لم تعد فيها أسرار، فما يحدث يدون ويُتابع من قبل الجهات الرقابية وكذلك لجان التدقيق الداخلية الخارجية والمستثمرين. بهذا يرتفع منسوب الشفافية والحوكمة الرشيدة، وذلك لحماية مصالح جميع المساهمين مهما كانت نسبة ملكيتهم. ولذلك عندما يطلب شخص معلومات عن شركة غير مدرجة فإن طلبه ربما يُقابل بتهكم أو باستغراب باعتبارها أسراراً لشركة خاصة. ولكن مع الإدراج يصبح من حق الفرد الاطلاع على تفاصيل التقييم ونشرة الاكتتاب.
والإدراج ليس مؤشراً على تدهور الشركة أو أسهمها. فقد شاركت في إدارة ملف إدراج أسهم في سوقين خليجيين، وتابعت عشرات الإدراجات المهمة، فوجدت أنه من الطبيعي أن يهوي السهم أحياناً، وربما يرتفع ارتفاعاً ملحوظاً ثم سرعان ما يستقر سعره بعد أن تذهب «عاطفة المستثمرين» المخيمة على قراراتهم.
ومهما كان سعر السهم يبقى قرار نقل الشركة العائلية من أجوائها «الخاصة» إلى رحابة أسواق المال، هو في حد ذاته توجه رشيد يضمن ديمومتها ولا يتخذه سوى من يمتلك القرار الشجاع.