نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

«مكة 2»!

تتحدث حماس كثيرا عن دور سعودي مأمول في معالجة ملف المصالحة الفلسطينية، واستخدم بعض الناطقين باسمها عبارة «مكة 2»، في وصف مسبق لجهد لم يقم بعد، تيمنًا «بمكة 1» التي خُذلت نتائجها بعد أشهر من بلوغ تفاهماتها، وبات معروفًا أن كلمة المصالحة صارت بمثابة المفتاح الذي يمكن أن يدير الأقفال المغلقة ويفتح البوابات المفضية إلى إنعاش العلاقات الثنائية، دون اكتراث بأي أمر آخر، ولا أعرف إن كان لدى المملكة وقت كاف لإعادة فتح هذا الملف، خصوصًا أن تجربة الفلسطينيين مع المملكة في مجال المصالحة، أثبتت جدية في المعالجة بلغت حد التفرغ المطلق لإنجازها فيما وصف بـ«مكة 1» وكان المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز، وحوله كبار مساعديه، قد أجلوا كل اهتماماتهم الداخلية والخارجية لإنجاز المصالحة من على بعد أمتار قليلة من الكعبة المشرفة.
وإذا كان لا بد من إعادة فتح هذا الملف، سواء بمبادرة سعودية، أو بجهد سعودي مصري مشترك، فلا مناص من دراسة كل المحاولات التي بذلت تحت عنوان إنهاء الانقسام والتي كانت تتوج غالبا باتفاقات بعضها كان يعيش في وسائل الإعلام يومًا أو يومين، ومعظمها كان ينقض على الأرض ويعيد الوضع الفلسطيني إلى حالة أسوأ من الانقسام والتناحر وتبادل الاتهامات والاعتقالات.
ولهذه الظاهرة المثبتة، أسباب يتعين على كل من يحاول التدخل في هذا الأمر، معرفتها والتوصل إلى حلول لها، قبل إطلاق المبادرات وقبل الاحتفاء بنجاح الوساطات.
أولها.. الأساس السياسي الذي ينبغي أن تبنى عليه العلاقة بين الجانبين، وهذا الأساس البديهي والحتمي، جرى تجاهله في كل محاولات المصالحة نظرًا لاستحالته، وما زلنا نذكر كيف وصلت الأمور إلى حاجز «نلتزم» ولمن لا يعرف ما وراء هذه الكلمة، أذكر بمطلب العالم بإعلان حماس التزامها بما التزمت به منظمة التحرير، وكانت حماس ترفض وتفضل استخدام كلمة أقل من الالتزام وهي «الاحترام».
فشلت كل المحاولات للحصول من حماس على هذه الكلمة، فظل الأساس السياسي لعلاقة الأشقاء خاويا على نحو لا يمكن أن تبنى عليه أمور أخرى.
السبب الثاني للفشل.. كان ضعف انضباط من يتحكمون في الأرض وخصوصا من جانب حماس لقرارات من يفترض أنهم يتحكمون بالسياسة، وقد بدا الهرم معكوسا في مواقع كثيرة، ولا داعي لسرد أمثلة تدلل على صدقية هذا الاستنتاج.
في حالة كهذه فإن مجاملة السياسيين للمضيفين، يمكن أن تعطي خلاصات دبلوماسية لجهد المضيفين من أجل الكاميرا فقط، وما إن تطفأ الأضواء حتى يظهر المتحكمون بالشارع قدرتهم الماحقة على تجويف الاتفاقات، وإحالتها إلى الأرشيف الذي امتلأ عن آخره باتفاقات سابقة.
السبب الثالث وهو الأهم.. هو الاقتناع بمبدأ المشاركة في كل شيء بديلا عن الاستحواذ على كل شيء. وهذه مسألة لا تتحقق بالبيانات، وإنما بالسلوك، فإذا كنا نحاول على مدى سنوات إدخال جنود إلى معبر رفح، لفتح البوابة الوحيدة أمام الغزيين، فأي جهد وأي زمن نحتاج كي يتشارك الجميع في غزة والضفة تحت سلطة واحدة مثلما كان الأمر عليه قبل الانقسام.
إن من يضمن هذه الأمور الثلاثة يضمن فعلا النجاح في حل معضلة الانقسام وإعادة الوحدة إلى الفلسطينيين المنكوبين به إلى جانب نكبتهم باحتلال أرضهم.
إن بوسع أي بلد عربي أن يدعم جهدا فلسطينيا في هذا الاتجاه، وأن يرعى اتفاقا فلسطينيا تفصيليا يجسد وحدة حقيقية، يتوصل إليه الفلسطينيون من تلقاء أنفسهم، ولا أغالي لو قلت إن مصر حاملة الملف والمملكة صاحبة «مكة 1» ستكونان أكثر الناس سعادة بهذا الاتفاق، بل وستكونان الممولين الماديين والمعنويين والسياسيين والإداريين، لوحدة فلسطينية غابت طويلا، وسيستفيد الجميع استراتيجيا من عودتها وتكرسها، ووداع آلامها وكوارثها إلى الأبد.