جيفري شامان
TT

كيف سيبدو مستقبلنا مع كوفيد؟

نشهد الفترة الراهنة تراجعاً مستمراً في أعداد الإصابة بالمتحور «أوميكرون» ومعدلات الاحتجاز في المستشفيات والوفيات. استجابة لذلك، يتراجع الحكام ورؤساء البلديات عن القيود التي جرى فرضها لمواجهة الجائحة، مثل فرض ارتداء الأقنعة وجوازات سفر اللقاحات. ويتساءل الكثيرون عما إذا كانت هذه الفترة من انخفاض معدلات الإصابة وتناقص الطلب على المستشفيات، تشكل نقطة تحول في مسار الجائحة، أم أنها مجرد فترة هدوء قبل أن يتسبب متحور جديد في زيادة خطيرة أخرى.
وحتى قبل أن يجتاح المتحور «أوميكرون» بمختلف أنحاء العالم، عكف علماء ومسؤولون معنيون بالصحة العامة على محاولة فهم كيفية طبيعة تأثير استمرار فيروس «كوفيد - 19» على المجتمع بمجرد انتهاء مرحلة الجائحة. أما التساؤل الأكبر هنا: هل سيحدث تفشي المرض عدة مرات في السنة، أو مرة في السنة أو كل بضع سنوات؟ وما حجم المرض الذي سينتج عن موجات التفشي هذه؟
يشير علماء الأوبئة إلى استمرار وجود كائن مُمْرِض داخل مجتمع ما أو مجموعة سكانية على أنه توطن. أما كيفية التوطُّن، فتتنوع من مُمْرِض إلى مُمْرِض. داخل الولايات المتحدة، تتسم بعض فيروسات الجهاز التنفسي، مثل الإنفلونزا والفيروس التنفسي المخلوي البشري، بكونها أكثر وفرة خلال الشتاء. وتؤثر هذه الفيروسات بشكل منتظم على المجتمع في صورة ساعات عمل مهدرة، وأنظمة رعاية صحية مضطربة والوفيات. وتكشف الأرقام أن ما يقدر بنحو من 12 ألفاً إلى 52 ألف شخص يموتون بسبب الإنفلونزا كل عام داخل الولايات المتحدة.
ومع ذلك، لا تتبع جميع فيروسات الجهاز التنفسي هذا النمط، ذلك أن البعض، مثل فيروسات الأنف، تنتشر على مدار السنة بمستويات أقل، وتسبب قدراً أقل من الاضطراب لصحة الإنسان. وقد يتسبب البعض الآخر، مثل فيروسيات نظير الإنفلونزا البشرية، في حدوث موجات تفشٍ على نحو متقطع أو عبر مواسم أخرى.
والتساؤل الآن: كيف سيبدو عليه النمط الخاص بـ«سارس - كوف - 2»، الفيروس المسبب لـ«كوفيد - 19»، بمجرد أن يتحول إلى وباء؟ وما مقدار الاضطراب الذي سيحدثه؟ الإجابة المختصرة: لا نعرف حتى هذه اللحظة. جدير بالذكر هنا أنه يمكن فهم النمط المتوطن لأي مرض بسهولة بأثر رجعي، في الوقت الذي كان فيه فيروس كورونا معنا منذ نحو عامين فقط. ومع ذلك، هناك إشارات وعوامل يمكننا جميعاً مراقبتها، والتي توفر مؤشرات حول كيفية تأثير «كوفيد - 19» على حياتنا على امتداد المواسم والسنوات السابقة. وتستحق مثل هذه الإشارات والمناقشة في الوقت الذي نتحرك فيه نحو مجتمع أكثر طبيعية وفاعلية.
يتمثل السيناريو المتفائل في أن يستقر «سارس - كوف - 2» في صورة نمط شبيه بالإنفلونزا أقل قدرة على إحداث اضطرابات، ما يؤدي إلى تفشي المرض في فصل الشتاء، مع معدلات الاستشفاء والوفيات أقل مما رأيناه في عامي 2020 و2021. بينما السيناريو الأكثر تشاؤماً، فيتمثل في استمرار الفيروس في توليد متحورات قادرة على تفادي جهاز المناعة وقادرة على إصابة أعداد كبيرة من السكان. في حين أنه من الصعب معرفة كيفية ظهور فيروس كورونا المستوطن، إلا أن هناك سمتين مهمتين تستحقان المراقبة خلال الأشهر والسنوات المقبلة: تواتر وشدة المتحورات. وسيحدد هذان العاملان مستوى الاضطراب الناجم عن الفيروس التاجي في المستقبل.
وفي سياق متصل، نجد أن يرتبط التواتر المستقبلي لتفشي الفيروس التاجي ارتباطاً وثيقاً بمناعة السكان وكيفية تحور الفيروس. وتعتمد مقاومة السكان للمتحورات المتفشية على تاريخ الأشخاص المتعلق بالإصابة بالعدوى والحصول على التطعيم واللقاحات المعززة. فقط المتحورات التي تحتوي على اختلافات طفيفة من تركيبة اللقاح أو البديل الأقدم قد لا تتسبب في كثير من المرض. ومع ذلك، فإن المتحور الذي يحتوي على تغييرات جوهرية - مثل «أوميكرون» - قد يصيب كثيراً من الأشخاص عن طريق قدرته على تفادي المناعة. في هذا الشتاء، كان كثير من الأشخاص الذين تمتعوا بحماية جيدة في مواجهة المتحور «دلتا»، المتحور الذي أزاحه «أوميكرون»، لا يزالون يواجهون مخاطرة العدوى والمرض بسبب «أوميكرون».
أما علامة الاستفهام الكبرى فهي ما إذا كان «سارس - كوف - 2» باستطاعته الاستمرار في إنتاج متحورات تتجنب جهاز المناعة، مثل «دلتا» و«أوميكرون»، أم لا. وإذا كانت للفيروس هذه القدرة، فإن هذا الأمر قد يحدث موجات عدة لتفشي المرض في السنة، مثلما حدث خلال 2021. وربما يستمر هذا النمط المتوطن لبضع سنوات أخرى أو إلى أجل غير مسمى.
علاوة على ذلك، فإن شدة المتحورات تعتمد على عدد من العوامل، بما في ذلك القدرة الذاتية للمتحورات الجديدة على إصابة الناس بالمرض. حتى الآن، لم تنتج جميع متحورات «سارس - كوف - 2»، مستويات متطابقة من المرض.
* خدمة «نيويورك تايمز»