روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

ليس كل الأميركيين يريدون مساعدة أوكرانيا

بعد مرور 31 عاماً على تحرير الكويت، ما زال عديد من الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة نفذت تلك العملية بسبب النفط. وأشار ريتشارد هاس الذي كان أكبر مسؤول في شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض في مذكراته، إلى أن الرئيس بوش الأب طرد القوات العراقية من الكويت ليس بسبب النفط، وأنه أراد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نظاماً دولياً جديداً يوقف العدوان على البلدان الصغيرة.
والآن، في فبراير (شباط) 2022، كانت وجهة النظر السائدة في واشنطن حول سبب مساعدة أوكرانيا هي وجهة النظر نفسها لبوش الأب بشأن الكويت. وهناك نوع نادر من الوحدة بين الزعماء الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن.
وقال السيناتور الجمهوري روبرت بورتمان، إن على الولايات المتحدة المساعدة في الدفاع عن سيادة أوكرانيا الإقليمية؛ لأن الأوكرانيين يريدون أن يكونوا أحراراً. وقال السيناتور جيمس ريش، زعيم الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إن الأميركيين دائماً ما يقفون إلى جانب الدول الديمقراطية. وبتجاهل التناقضات التاريخية في مثل هذه الكلمات، قام وفد من مجلس الشيوخ بزيارة أوكرانيا في منتصف يناير (كانون الثاني)، من أجل ردع الرئيس الروسي عن الغزو، وأيضاً لممارسة الضغط على الرئيس بايدن، لحمله على تبني عقوبات قوية قبل غزو روسيا.
وكان السيناتور الديمقراطي روبرت ميننديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وزميله في الحزب الجمهوري ريش، قد صرحا لشبكة «سي إن إن» يوم الأحد الماضي، بأنهما يتوقعان تمرير تشريع هذا الأسبوع يفرض عقوبات قوية على روسيا فوراً. ولم تهاجم روسيا أوكرانيا بعد. فما هو مبررهم؟ لقد أشارا إلى الهجمات السيبرانية الروسية ضد أوكرانيا، وحذرا من أنه إذا أقدم بوتين على غزو أوكرانيا، فإن واشنطن ستفرض عقوبات ستؤدي إلى شل الاقتصاد الروسي. حتى أن ريش قال للمشاهدين الأميركيين، إن أسعار البنزين سترتفع لأنه لن يكون هناك نفط روسي في الأسواق العالمية.
ولم يوضح أعضاء مجلس الشيوخ لماذا قد يختار بوتين عدم غزو أوكرانيا إذا واجه عقوبات جديدة، بصرف النظر عن الغزو. فالمواقف المعادية لروسيا تحظى بشعبية في واشنطن الآن.
بيد أن واشنطن ليست الولايات المتحدة. فقد ذكر تقرير صادر في 26 يناير عن مركز «بيو» للأبحاث، أن استطلاع رأي حديثاً أظهر أن 26 في المائة فقط من الأميركيين يعتقدون أن التعبئة الروسية بالقرب من أوكرانيا تشكل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة، ويعتقد 33 في المائة أنه تهديد طفيف فقط.
ومن الجدير بالذكر أيضاً، أن التقرير ذكر أن 41 في المائة من الأميركيين يعتقدون أن روسيا عدو للولايات المتحدة، ولكن 49 في المائة يعتقدون أنها منافس وليست عدواً.
ولنذكر أن الأميركيين سوف يدفعون ثمناً اقتصادياً للدفاع عن أوكرانيا، ولكن الغالبية العظمى لا تستطيع أن تحدد مكان روسيا أو أوكرانيا على خريطة «غوغل».
ويحاول القادة الأميركيون تحديد دور الولايات المتحدة في العالم، بينما نتجه نحو منتصف القرن الحادي والعشرين. فهناك جانب ما زال ينادي باسم الولايات المتحدة بالهيمنة على كل مكان باسم الحرية. ورداً على ذلك، يحذر عضو مجلس الشيوخ الجمهوري راند بول من أن النخبة التقليدية في واشنطن تدفع الولايات المتحدة إلى حرب في أوكرانيا، كما فعلت مع العراق في عام 2003. وتشبه لغة بول خطابات دونالد ترمب الانتخابية لعام 2016.
ويحذر محللون آخرون، ينتمون إلى المدرسة الواقعية للسياسة الخارجية، من أن الولايات المتحدة لم تعد القوة العظمى الوحيدة. ونظراً للمنافسة مع الصين والتهديد من إيران، فإن واشنطن عليها أن تتوصل إلى اتفاق تسوية مع روسيا تقبل بموجبه أن أوكرانيا لن تنضم أبداً إلى حلف «الناتو». وعلى هذا فإن الإعلامي البارز تاكر كارلسون لدى «فوكس نيوز»، يؤكد أن الصين تشكل تهديداً كبيراً للمصالح الأميركية، وليست روسيا.
وبوسعنا أن نرى بسهولة مع تاكر كارلسون وراند بول وغيرهما على جانب، وجيمس ريش وروبرت بورتمان على الجانب الآخر، أن قضية التدخل الأجنبي في بلدان مثل أوكرانيا تتسبب في إحداث انقسام في الحزب الجمهوري. ويتساءل جناح الحزب اليميني عن سبب قلق القادة الجمهوريين بشأن أوكرانيا، في حين أنهم لا يتوصلون إلى حل قضية الهجرة الكبيرة عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. وهذا ما يعكسه استطلاع الرأي الذي أجراه معهد «يوغوف» مع «تشارلز كوخ»، في ديسمبر (كانون الأول) 2021، والذي أفاد بأن 70 في المائة من الديمقراطيين و76 في المائة من الجمهوريين يريدون أن تركز واشنطن على القضايا المحلية، وليس على السياسة الخارجية. وينشأ جزء كبير من هذا الانقسام من دونالد ترمب وأنصاره الذين يرفضون السياسة الخارجية الأميركية التقليدية والتدخلات الخارجية.
وسيغضب عديد من الأميركيين، من الجمهوريين اليمينيين والديمقراطيين اليساريين الذين يركزون على الفقراء والطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة، إذا ارتفعت أسعار البنزين كثيراً، وإذا تسبب التدخل في أوكرانيا في الحد من الاهتمام والتمويل للمشكلات الداخلية في البلاد، وسيسارعون إلى انتقاد التدخل في أوكرانيا، وستزداد الحجج السياسية حدة مع اقتراب انتخابات الكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني).
وكما هو الحال في أفغانستان والعراق، فإن أغلب الأميركيين لا يعرفون شيئاً عن أوكرانيا. وخسر بوش الأب انتخابات عام 1992 رغم تحرير الكويت، بسبب مشكلات اقتصادية داخلية. ويخاطر زعماء واشنطن بالشيء نفسه مع ارتفاع الأسعار وأسعار الفائدة. ولن أصدق أن المواطنين الأميركيين ملتزمون حقاً بالدفاع عن أوكرانيا، حتى ينجحوا في تحديد موقعها على الخريطة أولاً.