مع اقتراب دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وفي وجود نحو 3000 رياضي ووفودهم المرافقة ووسائل الإعلام في بكين وما حولها، تبذل الحكومة الصينية جهوداً غير عادية لمنع النسخة الرابعة والعشرين من الألعاب، من أن تصبح حدثاً ناشراً لفيروس «كوفيد».
وعلى الرغم من أنه سيُطلب من الرياضيين والمدربين الحصول على اللقاحات، فإنهم سيواجهون قيوداً شديدة. فأولئك الذين يحصلون على إعفاء طبي من التطعيم مطالبون بالحجر الصحي لمدة 21 يوماً بعد دخول البلاد. وحتى الملقح منهم سيتعين عليه تقديم اختبارين سلبيين. ويجب على المشاركين في الأولمبياد الخضوع لاختبارات «كوفيد» اليومية، وسيتقيدون بالبقاء داخل الفقاعة الأولمبية، حيث سيتم تقييدهم لمنع انتشار الفيروس إلى السكان المحليين.
تتماشى هذه الإجراءات الشديدة مع سياسة الصين الخاصة بعدم انتشار «كوفيد»، ويبدو أن الرئيس شي جينبينغ وحكومته يعتقدون أنه يمكن إغلاق البلاد، حتى يتم القضاء على الفيروس في جميع أنحاء العالم.
لكن هذا الهدف يبدو بعيد المنال مع متغير «أوميكرون» القابل للانتقال بشكل كبير وقد وضع الأمة في مواجهة كارثة. لن يختفي فيروس كورونا وسيتعين على العالم التعايش معه. ومما زاد الطين بلة، أن اللقاحات الصينية أقل فاعلية بكثير ضد «أوميكرون»، ونظام الرعاية الصحية الصيني ببساطة غير مجهّز لرعاية ملايين الأشخاص المصابين بالفيروس.
نجت الصين من الوباء بشكل جيد حتى الآن. فحتى مع وجود نحو أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، كان لدى الصين أقل من 140 ألف حالة إصابة مؤكدة بفيروس «كوفيد» وأقل من 6000 حالة وفاة منذ يناير (كانون الثاني) 2020، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، واستمرت الغالبية العظمى من المصانع في العمل. وفي وقت مبكر من الوباء، أضافت الصين الآلاف من أسرّة المستشفيات إلى نظام الرعاية الصحية في أيام.
يبدو كل هذا نجاحاً هائلاً عند مقارنته بالاستجابة الفوضوية في الأغلب الأحيان للفيروس في الولايات المتحدة، حيث توفي أكثر من 860.000 شخص ونحو 2000 آخرين يموتون كل يوم، والعديد من المستشفيات تحت الحصار، وها قد تعطل الاقتصاد.
قد يكون هذا هو المستقبل الذي تواجهه الصين. فسعيها وراء الوصول إلى درجة الصفر في وباء «كوفيد» سيثبت أنه خطأ فادح؛ نظراً لأن سياستها جعلتها غير مستعدة على الإطلاق لما سيصبح وباء «كوفيد» المستوطن.
تظهر الأبحاث الحديثة، أن اللقاحات الصينية توفر حماية محدودة ضد «أوميكرون»، حتى في حماية الناس من مضاعفات «كوفيد» التي تؤدي إلى الوفاة، وهذا يعني أن اللقاحات لا توفر مناعة وقائية كافية للأشخاص الذين يفتقرون إلى المناعة الطبيعية من خلال العدوى.
بالنسبة لأولئك الذين يصابون بالعدوى، فإن نظام الرعاية الصحية في الصين يتصف بمرافق طبية أو رعاية منزلية محدودة للمرضى الخارجيين. لن يتمكن العديد من المرضى من الاتصال بطبيب الرعاية الأولية، أو الذهاب إلى مركز رعاية عاجلة أو الحصول على الرعاية في المنزل. وإذا احتاج الملايين إلى الرعاية - حتى لو لم يكونوا في حاجة إلى دخول المستشفى - فستغرق المستشفيات بسرعة، وقد تصبح المستشفيات مواقع لأحداث سريعة الانتشار. وبحسب ما أظهرت الأحداث الأخيرة في مدينة «شيان»، فإن المستشفيات الصينية التي تخشى الفيروس قد تحرم المحتاجين من الرعاية.
وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، من المرجح أن يتعرض غالبية الناس في العالم، بما في ذلك الصين، لفيروس كورونا. ومع فترة حضانة من المحتمل أن تصل إلى ثلاثة أيام، والعديد من المصابين لا تظهر عليهم أعراض، سينتشر الفيروس بسرعة. وبحلول الوقت الذي يجري فيه تحديد تفشي المرض، سيكون قد انتقل إلى مدينة أخرى.
يمكننا أن نبدأ في رؤية المستقبل في العديد من المدن الصينية، تحديداً في مدينة «شيان»، على بعد أكثر من 600 ميل من بكين. في الشهر الماضي، أغلقت الحكومة على سكان شيان البالغ عددهم 13 مليوناً في رد فعل لتفشٍ صغير نسبياً لمتغير «دلتا»، وهو أقل قابلية للانتقال من «أوميكرون». واستمر هذا الإغلاق الصارم نحو ثلاثة أسابيع، كما انتشر المرض في تيانجين، وهي مدينة قريبة من بكين. ومن المثير للقلق أن الأبحاث الوبائية التي أُجريت على عدد كبير من الأشخاص المصابين بـ«أوميكرون» في «تيانجين» وجدت أن نحو 95 في المائة منهم قد تم تطعيمهم بالكامل باللقاحات الصينية. وفي 15 يناير، قال المسؤولون الصينيون، إنه تم العثور على أول حالة في بكين لمتغير «أوميكرون»؛ مما أدى إلى فرض إغلاق محلي وعمل اختبارات شاملة.
من المرجح أن يؤدي هذا الانتشار إلى إثارة هلع الرئيس شي والقيادة الصينية، ومن المرجح أن يضغطوا بقوة أكبر. لكن سياسة «كوفيد» الصفري تعني أن الصينيين سوف يطاردون دائماً هدفاً متحركاً، ولن ينتصروا أبداً، وسيكون لهذا حتماً آثاره الاقتصادية الخطيرة بالنسبة للصين وبالنسبة لنا جميعاً؛ نظراً لموقع البلاد المميز في الاقتصاد العالمي. فبينما تظل الصين عاصمة الإنتاج في العالم، فمن غير المرجح أن يكون هذا وضعاً دائماً في حالة حدوث عمليات إغلاق. من المرجح أن تصبح الشركات خارج الصين مترددة بشكل متزايد في الشراكة مع المشاريع الصينية عندما لا تتمكن من دخول البلاد لمقابلة الشركاء، وتفتيش المصانع التي تواجه عمليات إغلاق لا يمكن التنبؤ بها. ومن شأن الانخفاض في الإنتاج الصيني أن يقلب سلاسل التوريد وتوافر السلع في كل مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة. ويمكن للدول الأخرى أن تقدم خريطة طريق يمكن للصين أن تضعها موضع التنفيذ. فقد حققت الدنمارك وألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك أستراليا، مناعة قوية من دون التعرض لمعدل الوفيات في الولايات المتحدة، واستخدموا لقاحات فعالة، واتخذوا قرارات أكثر ذكاء بشأن متى وأين يجري فرض عمليات الإغلاق وحماية الفئات الأكثر ضعفاً، مثل كبار السن وأولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
قد تمنع جهود الاحتواء المتقنة التي تبذلها الصين والمخطط لها للأولمبياد تفشي «كوفيد»، ونأمل بالتأكيد أن يكون هذا هو الحال. لكن سياسة «كوفيد» الصفرية ستثبت أنها استراتيجية خاسرة على المدى الطويل.
7:37 دقيقه
TT
سياسة «كوفيد» الصفرية في الصين جائحة تلوح في الأفق
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة