د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

معضلة الهامشيين

يقول العرب «لا تكن ليناً فتعصر ولا صلباً فتكسر». ويقول الأميركيون لا تعجن نفسك كثيراً فتصبح هشاً، كشريحة البيتزا spread yourself too thin.
ولأن البيتزا أنواع كالأميركية السميكة والإيطالية الهشة اللذيذة فكذلك البشر، منهم الهش ومنهم القوي وهناك من يراوح بينهما. وقد اكتشف العلماء ما نعانيه في الواقع وهو وجود من هم «صفر على الشمال» كما يقال في العمل الجماعي، ويعيشون في كنف المتفانين من حولهم لأنهم قليلو المنفعة.
والأمر في الواقع أخطر مما نتخيل، فكلما زاد عدد الناس «الهامشيين» أو «الهشين» الذين ينكسرون عند أول مواجهة انكشفت حقيقة جهودهم، وهو ما يقع فعلياً في لعبة شد الحبل، حيث لاحظ الباحث الشهير ماكس رينغلمان أنه كلما زاد عدد المشاركين في اللعبة قلت جهودهم المبذولة! حاول رينغلمان Ringelmann بذل المزيد من الجهد لفهم ما يجري. فطلب من مجموعة مشاركين شد الحبل لمدة خمس ثوان على نحو انفرادي، ثم أعاد الطلب لمجموعة مكونة من سبعة أفراد. بعدها أعاد الكرة لمجموعة تضم 14 شخصاً. غير أن الصدمة تمثلت في أن معدل القوة التي بذلها كل مشارك منفرداً 85.3 كلغ وهو جهد كبير وقوي. لكن حينما قاس قوة المشاركين أنفسهم الذين انضموا إلى فريق السبعة انخفضت قوة كل مشارك إلى 65 كلغ، وبلغت نحو 61 كلغ فقط لكل فرد شارك في مجموعة تضم 14 فرداً. بعبارة أخرى، عندما ينضم الإنسان إلى مجموعة عمل فإنه لا يبذل الجهد الكافي الذي يقدمه منفرداً. وذلك مثلما يضع أحد المارة قصارى جهده في دفع سيارة فتاة معطلة، ولكن سرعان ما يمد إليه آخرون يد المساعدة، تجده أن قوة دفعه قد انخفضت بصورة ملحوظة!
وينسى قول الشاعر:
تأبى العصيُّ إذا اجتمعنَ تكسراً
وإذا افترقنَ تكسَّرتْ آحادا
وهذا ما يكشف لنا النقاب عن أسباب تراجع جهود الفريق كلما زاد عددهم، وهو الأمر الذي فسره الباحث بأنه يعود إلى «غياب التناسق» بين أفراد المجموعة، أي أنه كلما قل عدد المشاركين في المهمة، كان الأداء أكثر توافقاً وتزامناً فيما بينهم. والسبب الآخر «غياب الدافع»، وهو شعورهم بأن أداء زملائهم يكفي لإنجاز المهمة، وعليه ينخفض جهدهم المبذول. وكذلك الحال مع الذي دفع السيارة منفرداً، ربما كان يعتقد أن أنظار المارة ومالكة السيارة ستوجه نحو نتيجة جهوده فيبذل أقصى ما عنده من قوة.
وعندما يشكل المسؤول الحصيف فريق عمل لا ينبغي أن يفوته إيجاد آلية موضوعية لمتابعة أداء كل فرد حتى لا يضيع جهد المتفاني وسط زحام الهامشيين من حوله.