نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مصير حكومة التوافق الفلسطينية

فيما يشبه الطرد، عاد وزراء حكومة الوفاق الفلسطيني، إلى بيوتهم في رام الله، بعد أن أصرت حماس على عدم تمكين أعضاء الحكومة من ممارسة عملهم، إلا إذا قدموا التزاما صريحا بتسديد رواتب الموظفين جميعا، وفي المقدمة موظفو حكومة حماس، المدنيون والعسكريون.
وواقعة عودة الوزراء إلى بيوتهم تدخل حكومة الوفاق الوطني في حالة متقدمة من الاحتضار المفضي إلى الموت، وهذا من شأنه أن يقطع الخيوط الواهية أصلا والمتبقية لمحاولة بلوغ ولو حد أدنى من التفاهم بين سلطتي غزة ورام الله.
وفي الوقت الذي جسدت فيه حكومة الوفاق خطوة عملية على طريق الألف ميل، المفضي إلى إنهاء الانقسام فإن الاشتراطات التي يضعها الطرفان من أجل تفعيل عمل الحكومة وخصوصا في غزة، تبدو تعجيزية ومن النوع مستحيل التحقيق.
اشتراط حماس الجوهري، أن توفر حكومة رام الله، مرتبات للجسم الإداري والأمني لحماس مع احتفاظ هذا الجسم بصلاحياته ومهماته، كاملة دون نقصان، وأقصى ما تحصل عليه حكومة رام الله في إطار هذه المعادلة، هو حق الادعاء بأنها تمثل الشعب كله وتدير الوزارات والمؤسسات الحكومية عن بعد.
وحكومة الوفاق بمنطق حماس تنفع غطاء لاستمرار وجودها ونفوذها على المعابر إضافة إلى أنها تنفع ولو جزئيا في تسهيل بعض عمليات إعادة الإعمار، المتحكم بها جملة وتفصيلا من قبل إسرائيل ما دامت تمر من معابرها.
ومع أن حكومة الوفاق التي هي حكومة رام الله في الأساس مع بعض الديكورات الغزاوية، حاولت استرضاء حماس بالتنازل الفعلي عن معظم صلاحياتها في غزة والقبول بدور المحصل المالي خصوصا في مسألة الرواتب، إلا أن هذه الحكومة المتساهلة لم تفلح في تلبية الحد الأدنى من مطالب حماس، وبالنسبة لحماس فإن الحد الأدنى هو الأقصى.
قبل أيام كان من المفترض أن تؤدي حكومة الوفاق مهمة إثبات وجود ولمدة أسبوع في غزة، حاملة معها تطمينات لحماس في أمر الرواتب والسلف، وأحاطت حكومة رام الله هذا الاستعراض، بجو من التفاؤل بنجاحها وتقدمها نحو هدف تثبيت إدارتها ولو جزئيا للمؤسسات الحكومية في غزة، إلا أن حماس من جانبها وجهت رسالة شديدة اللهجة لزوارها حين اتخذت قرارا بفرض ضرائب إضافية على التجار الغزيين، مما أدى إلى خلق تعقيد جديد يجعل من عمل حكومة رام الله في غزة أمرا مستحيلا.
وهذا الإخفاق المدوي لحكومة الوفاق وضع الطرفين، رام الله وغزة، في وضع غاية في الحرج والصعوبة، ذلك أن رام الله فقدت إمكانية الادعاء بأنها تتقدم على طريق وحدة الوطن والسلطة، أما حماس... فلن تجد حلا ولو جزئيا لمعضلتها المالية، ناهيك عن ابتعاد الطرفين موضوعيا عن أي إمكانية ولو متواضعة لإنهاء الانقسام أو ترويضه إلى حين وقوع معجزة.
وهذا الفشل المزدوج الذي وقع فيه الطرفان، تزامن مع حديث شعبي عن تآكل الشرعيات في رام الله وغزة على حد سواء؛ تآكل قانوني من خلال انتهاء ولاية المجلس التشريعي والرئاسة وتآكل موضوعي بحكم الفشل في جميع الملفات المطروحة على الجانبين، فلا تقدم نحو الوحدة، ولا انفراجة سياسية في أي اتجاه، ولا حل للأزمة المالية رغم قيام إسرائيل بضخ الأموال التي احتجزتها في فترة الانتخابات، وبالتالي فإن حكومة الوفاق التي لم يسمح لها بالعمل يوما واحدا في غزة، والتي تأسست من أجل تجديد الشرعيات بالتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية، لم يعد لها من مبرر للبقاء إلا إذا جازفت وأعلنت أنها بصدد الشروع في التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية، ولأن قرارا كهذا يحتاج إلى إرادة سياسية قبل المسوغات القانونية فإن هذه الحكومة الملتبسة تقف الآن أمام خيارين أحلاهما مر؛ فإما المغادرة الفورية وإما الاحتضار طويل الأمد.