وقفت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، على منصتها الصحافية ووجهت غضبها إلى الإدارة الأميركية السابقة، معتبرة أن خروجها من الاتفاق النووي شجع طهران على انتهاج سياسة أكثر عدوانية. حتى المتعاطفون مع النظام الإيراني لا يمكنهم دعم هذا الادعاء، فالنهج الإيراني التوسعي سابق على ترمب بسنوات طويلة واستمر بعده.
هذا واحد من أخطاء إدارة الرئيس بايدن، حيث تستخدم الترمبية حتى بعد خروجها لأكثر من عام كتفسير ومبرر للأزمات الخارجية التي أسهمت بها الإدارة الحالية وإنْ لم تكن مسببتها الأساسية.
ولكن الأكثر من ذلك (وهذا برأيي الدافع الأساسي) هو تبرير سياستها الخارجية الحالية وإيجاد هذه الأعذار للمضي في تحقيق رؤيتها في أماكن متعددة في العالم.
في أفغانستان، استخدمت الاستراتيجية غير المقنعة نفسها، بعد الخروج الفوضوي من مطار كابل ومشاهد سقوط المدنيين من الطائرات، قال الرئيس بايدن حينها إن خروجه كان حتمياً بسبب تعهدات سلفه، على الرغم من أنه كان بإمكانه نقضها وعدم الالتزام بها، مثلما فعل مع ملفات أخرى من المهاجرين والاقتصاد وحتى معالجة الوباء (الناجحة بوقته أفضل من عهد ترمب المتخبطة في مواجهة الوباء).
السيناريو يتكرر مع ميليشيات الحوثي؛ إلقاء اللوم على الآخرين في تطور المشكلة، ولكن ما نشهده حالياً هو أن رفع تصنيف الحوثيين من قائمة الإرهاب بعد شهر واحد هو الذي شجعهم ودفعهم لإرسال مئات المسيّرات والصواريخ على السعودية ومؤخراً الإمارات.
من المفهوم أن يُستخدم كل شيء في لعبة الصراع الداخلي، ويقوم بها الطرفان لتحقيق مكاسب أكثر في الانتخابات النصفية أو الرئاسية. ذكرى اقتحام الكونغرس، في السادس من يناير (كانون الثاني)، تم توظيفها للانتقام من الخصوم السياسيين والحديث عن الإرهاب الداخلي، بوصفه الخطر الداهم الأول. ولكنّ استخدام الصراع الداخلي في الملفات الخارجية يتسبب في فوضى، كما يحصل الآن في منطقة الشرق الأوسط.
لكن كيف نفهم ما يحدث؟ ولماذا انتهاج سياسة الأعذار الهشة غير المقنعة؟ كتبت في مقال سابق «داخل عقل جو بايدن» عن طريقة تفكيره في السياسة الخارجية، وهو بسبب خبرته الطويلة في الكونغرس لا يختلف عن المخضرمين في السياسة الخارجية المؤمنين بدعم المصالح الأميركية حول العالم وتعزير ما يسمّونه النظام الأميركي العالمي. ولهذا السبب دعم بايدن حرب العراق 2003 رغم معارضة الكثير من زملائه الديمقراطيين.
ما الذي حدث إذن وتغير؟ أكثر من سبب، أبرزها تغير المشهد الأميركي الداخلي وعلى ضوئه غيّر السياسيون النفعيون بطبيعتهم طريقة تفكيرهم. بايدن قبل 20 سنة ليس بايدن الآن وليس بالضرورة أنه بدل أفكاره وقناعاته ولكنه مستعد للتخلي عنها لأهداف ذاتية أكبر. ولكنّ السبب الثاني، وهو الأهم، هو دخول عناصر كثيرة ومؤثرة من المؤمنين بالاتفاق النووي مع إيران من عهد إدارة الرئيس أوباما في إدارة الرئيس بايدن.
الصفقة السياسية في هذا السياق واضحة: عودة الاتفاق النووي يعني إحياء لأهم نجاح خارجي لإدارة الرئيس أوباما، وهو ما يعني الترويج لسياسة مختلفة في الشرق الأوسط تعتمد على الانسحاب أو عدم الالتزام مع الحلفاء أو مشاركة المنطقة مع الإيرانيين، كما صرّح بذلك شخصياً.
المقابل هو ضمان إعادة ترشيح بايدن لولاية ثانية، وهو أمر من الصعب تخيّله من دون وجود قاعدة ديمقراطية جماهيرية واسعة، الرئيس أوباما الزعيم المحبوب والمعبود الأكبر لدى الديمقراطيين وحده قادر على تجييشها.
لعبة مصالح مفهومة ومشروعة بين الطرفين خالية تماماً من العواطف، وكل الأعذار التي ترددها ساكي وغيرها مجرد خدع بصرية للتغطية على الأهداف والطموحات الشخصية حتى لو تسببت في هزات وانهيارات بعيدة جداً عن الجناح الغربي في البيت الأبيض، حيث يجلس الرئيس محاطاً بموظفيه واستراتيجيي حملته الانتخابية القادمة.
7:38 دقيقه
TT
غضب متحدثة البيت الأبيض
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة