د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

قسطاس الربح والخسارة للبرنامج النووي الإيراني

إيران هل خسرت أم ربحت؟
سؤال يتردد كثيرًا هذه الأيام بعد انتهاء المباحثات بين إيران و«5+1» في مدينة لوزان السويسرية، والذي أفضى بدوره إلى البيان المشترك الذي تضمن المعايير الأساسية لإيجاد حلول لمشكلات كتابة ومعالجة قضايا نص الاتفاق النهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني.
نسير مع القارئ لنستشف مدى ما تحقق من ربح وخسارة حتى الآن في البرنامج النووي الإيراني.
ولكن قبل الشروع في ذلك يزاحمنا هذا السؤال: ألا يجب أن نعرف من هي أطراف الربح والخسارة في البرنامج النووي الإيراني قبل أن نضع الموازين في قسطاسها؟ وهو تساؤل في محله. وإذا كان من البديهي أن نقول إن الطرفين هما إيران و«5+1»، فإن الأجدر بنا أن نكون أكثر دقة بما أننا سنستخدم القسطاس الذي يعتبر أضبط الموازين وأقومها كما جاء معناه في معاجم اللغة العربية.
ولذا يمكن تصنيف الأطراف التي تنعكس أصداء البيان المشترك للبرنامج النووي الإيراني مباشرة عليها كالتالي:
1 - إيران.. ويمكن القول إن هناك طرفين في إيران وهما:
* النظام الإيراني.
* الشعب الإيراني.
هذا التوصيف لا يعني بأي حال من الأحوال أن الطرفين يقفان على النقيض فيما بينهما، غير أنه يمكن أن يكون للشعب الإيراني نظرة للبرنامج النووي عمّن هم في النظام الإيراني والذين بدورهم لا يتماهون في نظرتهم، فهناك من يقف أقصى اليسار بتشدده وهناك من يأخذ الاعتدال وهناك من أجبره الواقع إلى العودة إلى البراغماتية ومصلحة النظام.
2 - دول المنطقة.. بما فيها دول الخليج والعالم العربي.
3 - دول العالم ذات الصلة، أي التي إما لديها دورها الدولي وحضورها الاستراتيجي، وإما هذا البرنامج يطال مصالحها وأمنها.
ولكي نستشف من الرابح والخاسر من هذه الأطراف يتعين علينا بدايةً تناول أبرز بنود البيان المشترك، والذي يؤسس لكتابة الاتفاق النهائي المزمع التوقيع عليه مع نهاية يونيو (حزيران) المقبل.
البنود الفنية:
* تخفض إيران أجهزة الطرد المركزي من 19 ألفا إلى 6104 يخصب اليورانيوم منها 5060 على مدار 10 أعوام.
* تقليص مخزون اليورانيوم من 10 آلاف إلى 300 كيلوغرام منخفض التخصيب بنسبة 3.67 في المائة لمدة 15 عاما.
* عدم بناء أي منشآت جديدة للتخصيب لمدة 15 عاما.
* منشأة نتانز الوحيدة المسموح لها بالتخصيب.
* لن يُخصب في منشأة فوردو لمدة 15 عاما.
* لن ينتج البلوتونيوم الضروري لتصنيع قنبلة ذرية في منشأة آراك للمياه الثقيلة.
بنود العقوبات:
* عقوبات مجلس الأمن ستُرفع مع معالجة إيران للمخاوف بشأن برنامجها النووي.
* العقوبات الأميركية والأوروبية المتعلقة بالبرنامج النووي ستُرفع بناء على التزام إيران بالخطوات الضرورية المتعلقة بالبرنامج النووي وبناء على تأكيدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
المراقبة والتفتيش:
* يمنح للمراقبين الدوليين حق مراقبة مناجم اليورانيوم ومواقع تصنيع الكعكة الصفراء 25 عامًا.
* يحق للمراقبين المراقبة المتواصلة لأجهزة الطرد المركزي والمخازن لمدة 20 عاما مع تجميد تصنيع أجهزة الطرد المركزي.
* تلتزم إيران بتعهداتها كعضو في اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية وتراقب بموجب الاتفاقية.
فإذا أخذنا البنود الفنية نرى أن جميع الأطراف تبدي أهمية لهذا الجانب، ولكن بدرجات متفاوتة. ففي الوقت الذي نرى فيه الشعب الإيراني قد هلل وبارك لذلك البيان المشترك، فإن فرحته في هذا الجانب تتمثل في الاحتفاظ بالبرنامج النووي الإيراني. أما بالنسبة لدول المنطقة والعالم فهو تحييد وتقييد كبير للقدرات الإيرانية في الجانب النووي، وهو ما يجعل المسافة بين التحول من برنامج نووي سلمي إلى عسكري أكبر بكثير عمّا كانت عليه. ولكن تكمن أهمية الأمر هنا أن البنود الفنية لم تلغِ تمامًا الانتقال إلى الشق العسكري، وهو ما يحتاج معه إلى إجراءات مستقبلية تضمن عدم انحراف البرنامج.
من الرابح هنا؟ بالدرجة الأولى الشعب الإيراني وبالدرجة الثانية السلم والاستقرار في المنطقة وضمان عدم وجود سباق تسلح نووي. وماذا عن النظام الإيراني؟ يتساءل القارئ، نقول خسر النظام الإيراني في هذا الجانب كما أنه ربح أيضًا. فإذا كانت هناك نية من الأساس للنظام الإيراني للحصول على قنبلة نووية فإنه من خلال هذا البيان المشترك والخطوات التي اتخذها قد عاد من جديد إلى نقطة الصفر بعد أن فقد جميع مخزونه من اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، وكذلك وصول اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67 في المائة من 1000 إلى 300 كيلوغرام فقط، وكذلك تقييد عدد أجهزة الطرد المركزي ونوعها. ولكن يكمن الربح هنا للنظام الإيراني في السماح له بتخصيب اليورانيوم بعد أن كان هذا الأمر مرفوضًا تمامًا من قبل «5+1».
وفي ما يتعلق ببنود العقوبات فإن كفة قسطاس الربح والخسارة تسير باتجاه ترجيح الربح للشعب الإيراني مباشرة بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية والتردي الاقتصادي الذي دفع بنسب البطالة والتضخم إلى مستويات مخيفة في بلد غني بالكثير من الموارد الطبيعية مثل إيران. كما أن النظام الإيراني يقف أيضا في كفة الربح. ويتبقى السؤال هنا: هل سيتم توظيف العائدات في التنمية الداخلية في إيران أم سيستمر النظام الإيراني في دفع تلك الأموال لوكلائه في المنطقة بما يدفع باتجاه مزيد من التأزيم في المنطقة؟ الجميع يقف في كفة الربح هنا من الناحية الاقتصادية، حيث الشركات المحلية في إيران والإقليمية والدولية تسعى عودة النشاط في هذه السوق الكبيرة، كما قالت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ويندي شيرمان إن العالم جميعًا سيهب إلى إيران بمجرد الوصول إلى اتفاق في برنامجها النووي.
ونتمنى ألا نجد دول المنطقة قد وُضعت في كف الخسارة نتيجة توظيف النظام الإيراني للانفراجة الاقتصادية في تعزيز نفوذه في المنطقة.
وحين نصل إلى بنود المراقبة والتفتيش فإنه من البديهي أن نقول ما الضير أن يكون هناك تفتيش ومراقبة طالما أن النظام الإيراني يؤكد على سلمية برنامجه النووي، وبالتالي يساعد التفتيش والمراقبة على إزالة العقوبات الاقتصادية وعدم فرض عقوبات جديدة في حال انحراف البرنامج عن الاستخدام السلمي، وبالتالي يرجح القسطاس كفة الربح لكل من الشعب الإيراني والمنطقة والعالم، ولن نجد أحدا على كفة الخسارة إلا من كانت له غاية في نفسه.
يبقى القول هنا إن جميع البنود متصلة بعضها ببعض، وإن رفع العقوبات عن كاهل الشعب الإيراني لن يتأتى إلا باستمرار الشفافية والتفتيش الصارم والمستمر، فجميع تلك البنود وعلى الرغم من صرامتها، فإنها في نهاية المطاف لا تعني بأي حال من الأحوال عدم المقدرة من نقل هذا البرنامج من شقه السلمي إلى الشق العسكري.
القراءات متباينة حول نص اتفاق الإطار بين رفع فوري أو تدريجي للعقوبات، وسيبقى الأمر بين شد وجذب، فتصريح المرشد ومن ورائه الرئيس الإيراني حسن روحاني، حول رفع فوري للعقوبات، يقابله تصريح واضح من البيت الأبيض برفع تدريجي لها، يؤكد على ذلك، ولعل القارئ يتساءل عن محصلة تقييمنا لإطار الاتفاق هذا، نقول إذا كان أوباما وهو أكثر المروجين لهذا الاتفاق والمتحمس له يقول «مبعث الخوف الأكثر أهمية سيكون تطويرهم في العام 13 أو 14 أو 15 (عقب الاتفاق) لأجهزة طرد مركزي تخصب اليورانيوم بسرعة كبيرة، وفي هذه المرحلة سيتقلص وقت الاختراق (النجاح في صنع قنبلة) إلى الصفر تقريبا» فكيف هي محصلة تقييمنا؟ الإجابة بين يدي القارئ.