زهير الحارثي
كاتب وبرلماني سعودي. كان عضواً في مجلس الشورى السعودي، وكان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية، وقبلها كان عضواً في مجلس «هيئة حقوق الإنسان السعودية» والناطق الرسمي باسمها. حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة القانون من جامعة كِنت - كانتربري في بريطانيا. وهو حالياً عضو في مجلس أمناء «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني». عمل في النيابة العامة السعودية إلى أن أصبح رئيساً لدائرة تحقيق وادعاء عام. مارس الكتابة الصحافية منذ نحو 3 عقود.
TT

جولة ولي العهد: الروح الجديدة في الخليج!

«دول الجوار مهمة لنهضتنا» هكذا قال الأمير محمد بن سلمان، وفي تقديري العبارة تمثل العنوان العريض لجولة ولي العهد السعودي، حيث دعم الاستقرار والتنمية وتنسيق المواقف، ما يعني تكريس بناء منظومة العمل الخليجي. جولة الأمير، أو قل جولة ترتيب البيت الخليجي، عززت الثقل الذي يحظى به مجلس دول التعاون الخليجي في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد قمة العُلا وتنفيذ مستهدفاتها. الأجواء التفاؤلية والحيوية والحراك النشط الذي دب في شرايين العمل الخليجي مؤشر إيجابي لما هو قادم، فزيارات الأمير تسبق القمة الخليجية التي ستعقد في السعودية بعد يومين كأول قمة خليجية بعد المصالحة، وأتصور أنها ستكون قمة فاصلة، وتكاملية، وفرصة استثنائية يمكن البناء عليها، للانطلاق لآفاق أوسع وأكبر تتناغم مع تطلعات الشعوب ودقة المرحلة التي تمر بها المنطقة. الحراك السياسي والدبلوماسي الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يعكس ملمحاً لنهج السياسة الخارجية في عهد الملك سلمان وترجمة فعلية لما تقوم به بلاده من أدوار وجهود. جولة الخليج وعواصم مؤثرة في صناعة القرار تعني بكل وضوح أن المملكة لا تعيش بمعزل عما يدور في الساحة الدولية وتداعياتها، ما يجعل هذه الزيارات تكتسب أهمية خاصة في توقيتها ومغزاها، ناهيك عن حلحلة الملفات العالقة، ودفعها باتجاه الانفراج السياسي. المتأمل للوضع الإقليمي يلحظ أنه يتسم بدرجة كبيرة من السيولة السياسية، وتسارع المتغيرات، وهي بمثابة تحديات، ما يحتم التعاطي معها ومواجهتها ببلورة رؤية استراتيجية تمنع أي طريقة لملء الفراغ. يمكننا القول وبعد رصد ما تم في الأيام الفائتة، ومتابعة ما أعلن من الاجتماعات واللقاءات والمبادرات، أن روحاً جديدة ونظرة مستقبلية وانفتاحاً لافتاً تعيشه دول الخليج، وهذا يعني أن مسيرة البناء والتنمية والمعرفة ستدخل مرحلة متقدمة بين دول الخليج، والرسالة التي يمكن التوقف عندها أن دول الخليج تكتل ما زال قائماً رغم ما مر به من هزات وعواصف وأحداث، وأن هناك إرادة وعزيمة ورغبة في المضي قدماً إلى مستويات أعلى في التعاون والتكامل والتنسيق، وربما تحت صيغة معينة، ليتحقق الحلم الخليجي الذي ظل في مخيّلة شعوبه عقوداً طويلة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن دول الخليج مجتمعة تضع أمنها القومي في مقدمة أولوياتها، وبالتالي مواجهة المخاطر، ما يعني بناء تكتل حقيقي قادر على التعاطي مع التحديات الراهنة، ويبدو أن الرسالة قد وصلت وبوضوح للأطراف الإقليمية. نستحضر هنا مغامرة صدام حسين المجنونة بغزوه الكويت عام 1990. تجربة مريرة علقت الجرس، وكشف لنا آنذاك عن حقيقة غفل عنها الكثير من الخليجيين في أن مصير دول الخليج هو واحد، ثم لم تلبث أن جاءت أحداث البحرين، لتؤكد تلك النظرية بدليل الطابور الخامس الذي مولته طهران، وتم اكتشافه عبر خلايا تجسسية في بعض دول الخليج، ناهيك عن التغلغل الإخواني الذي جاء عبر فئة مؤدلجة تبين ولاؤها للجماعة قبل الوطن بغية الاستيلاء على السلطة. في ظل دقة المرحلة الحرجة التي نعيشها وتعقيدات المشهد الإقليمي، بات من الضرورة بمكان أن تتحرر دول الخليج من الأحمال الوهمية الملقاة على عاتقها من أجل البقاء والأمن وحماية المكتسبات ورفاهية شعوبها. وللإنصاف نقول إن نجاح المجلس ككتلة مرهون بإرادة أعضائه في الخروج بقرارات مصيرية. غير أن المناخ الشفافي الذي تعيشه دول المجلس هذه الأيام، خصوصاً بعد جولة الأمير محمد يبعث فينا التفاؤل بإعادة النظر في تطوير عمل دول المجلس على غرار عمل وأداء الاتحاد الأوروبي، لأنه بصراحة متناهية لم يعد كافياً بقاء كيان مجلس التعاون الخليجي على حاله هذه، بل بات الأمر يستدعي ضرورة إصلاحه وتغييره جذرياً، لأنه بآلياته وأدواته الحالية لم يعد يلبي متطلبات المرحلة، ولعل زخم جولة ولي العهد السعودي الكبير كفيل بدفع الأمور إلى الأمام وتجاوز أي عوائق، وإن كانت مسيرة المجلس شابها بعض الأخطاء، إنما العودة إلى جادة الصواب واستشعار حجم المسؤولية والتفاعل مؤشرات اتضحت بعد قمة العُلا، وهذا لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة لمواقف وتوافق وتنسيق سياسي لافت في ملفات ساخنة لعب فيها الأمير محمد بن سلمان، دوراً رئيسياً، ما يدفع هذا الكيان الخليجي ليصبح ضمن أهم التكتلات الفاعلة في العالم، لا سيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي. من المهم أن يصار إلى تنفيذ رؤية الملك سلمان التي أقرها المجلس عام 2015 في تفعيل دور المجلس، حيث تضمنت الرؤية محاور عدة، منها بلورة سياسة خارجية موحدة واستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، بالإضافة إلى تعزيز المكانة الدولية لمجلس التعاون ودوره في القضايا الإقليمية والدولية، ناهيك عما صدر عن قمة العلا بالموافقة على التنفيذ الكامل والدقيق لهذه الرؤية، وفق جدول زمني محدد ومتابعة دقيقة.
ليس مطلوباً من دول الخليج أن تتحمل أخطاء الآخرين، وتدفع فاتورة تجاوزاتهم وتصرفاتهم وقراراتهم، وليست معنية بمعالجة هموم الآخرين قبل همومها. علينا أن نلتف حول بعضنا البعض كخليجيين، ونفكر في مصالحنا أولاً وأخيراً، لأنه لا أمن إقليمي ولا سيادة فعلية ولا تنمية مستدامة إلا من خلال ترتيب البيت الخليجي، الذي يواجه تحديات غير مسبوقة، إن أردنا الحقيقة!